الاكتفاء الذاتي والتحديات

 

أسفر انتشار الوباء العالمي كوفيد-19 عن ضربة ،غير مسبوقة، للاقتصاد العالمي ، مما أدى إلى إرتباك كبير في عمليات الشحن ونقل البضائع ، ليعيد الى الاذهان ضرورة التفكير في الاعتماد على الذات و العمل على الاكتفاء الذاتي بالنسبة للدول الغير منتجة ،وأهميةالعمل عليه ، خصوصا في الأساسيات كالغذاء والدواء ، فهم ركيزة الاقتصاد القومي، الذي هو الضامن لاستمرار مشروع الدولة الكاملة السيادة والكرامة ، حتى ينعم مواطنوها بالرخاء والحياة الكريمة ، فالمجتمع في موريتانيا مستهلك وبعيد كل البعد عن ثقافة الإنتاجية، وهذا هو أكبر عائق أمام الاكتفاء الذاتي خصوصا في الغذاء .
ولذالك أردنا هنا تسليط الضوء على الصناعات الغذائية ،والعقبات الكبرى التي تجعل المستثمر يعزف عن الاستثمار فيها، مما يجعل الاكتفاء الذاتي حلما بعيد المنال .
الصناعات الغذائية تعتبر قطاع استراتيجي مهم للغاية، لاستطاعته تأمين السوق المحلية بأصناف غذائية عديدة، مثل منتجات الالبان والدواجن وبيض المائدة واللحوم والخضار والفواكه والزيوت، بتكنلوجيا آمنة وصحية، بدلا من المستوردة والتي أغلبها غير طبيعي، نظرا لتصنيفها في خانة المنتجات المعدة للتصدير، مما يفرض على المصنع إضافة المواد الحافظة والمثبتة   Conservateurs…)  stabilisateurs   Les), لتتحمل ظروف الشحن, مما يجعل هذه المنتجات غير طازجة ومضرة بالصحة, لعدم احترام (Dose journalièrl admissible ( DJA
و المسؤولة  عن انتشار عديد الامراض في مجتمعنا ,مما يجعلنا ندفع فاتورتين توفير السيولة من العملة الصعبة لاقتناء هذه المنتجات من جانب, ومن جانب آخر أستراد الأدوية و المستلزمات الطبية, نظرا للتدهور الصحي المصاحب لاستراد هذه الأغذية الرديئة الجودة. 
1-المادة الأولية
في بداية الأمر لابد من النهوض بالزراعة والتنمية الحيوانية ,لأنه حتى بلوغ مقياس صناعي, والتحول من الاقتصاد الزراعي إلى الاقتصاد الصناعي ,لابد من توفير فائض في المواد الأولية ,
فمثلا الحليب في موريتانيا يعتبر نادرا , ومن المستحيل توفير اكتفاء ذاتي منه ,ولا من مشتقاته ,مع العلم أنه لدينا ثروة حيوانية كبيرة والعديد من الشركات العاملة في المجال, فندرة الحليب تعود إلى العديد من العوامل من أهمها:
- الثروة الحيوانية تشكلت أساسا بالاعتماد على طرق التنمية الرعوية التقليدية, فثقافة المزرعة لم تنتشر بعد بين المنميين ،ونقص التكوين على الرعاية ،وإدخال تقنيات التدجين والتثبيت وزراعة الاعلاف ،جعل مردودية التنمية على المنمي ضعيفة جدا.
- ضعف في الإنتاجية ،نظرا للفصيلة الابقار المنتشرة في البلد الزبى الآسيوي بمعدل 4 ليتر يوميا ولتوفير الحد الأدنى لتشغيل معمل بمقاييس صناعية نحتاج ل 20 ألف لتر يوميا مع الديمومة ،وهذا بعد عملية حسابية بسيطة، سيكلف 1ليتر من الفصيلة المحلية Ouvriers+ aliment du bétail / 
12 أوقية جديدة  فالأبقار المنتجة للحليب تنتج بمعدل يتراوح بين 18إلى 40 ليتر، مما يكلف 1ليتر من الفصيلة المهجنة   5.6 أوقية جديدة قابلة لنقصان في حالة استخدام. ماكنات الحلب، حيث نلاحظ هنا الفرق الكببير في التكلفة .
  إذا من الضروري إدخال تحسين السلالات بشكل رسمي وحقيقي و ممنهج، في المناطق الرعوية، وإنشاء معاهد تكوين للمنمين في تلك المناطق ،التي من أهمها الحوض الشرقي بالنسية للمنتجات الحيوانية .
2-الطاقة 
تحتاج الصناعة إلى الطاقة في صورة وقود أو قوة محركة، وأيضا كمدخل أساسي في العمليات الصناعية مثل الغاز الطبيعي والكهرباء ،وتعرف موريتانيا نقلة نوعية في هذا المجال ،إلا أنها تبقى دون المستوى اللازم للتحول إلى الاقتصاد الصناعي ،مما يدعو الى  العمل بكل جد على تخفيض تكلفة الطاقة ،والتشجيع على التوجه إلى الطاقات المتجددة، فالمقلق الأكبر للمستثمر، هو التكلفة الباهظة للطاقة، فمثلا لتحويل 1 ليتر من الحليب الخام إلى منتج نهائي نحتاج إلى0.31 كيلو وات + طاقة حرارية.
3-الماء
فالماء من أهم الموارد التي تعتمد عليها الصناعات الغذائية بشكل أساسي، تدخل في تركيبة المنتج أحياننا، ودائما في عمليات تنظيف المعدات، الموازية لكل عملية إنتاج، فمثلا لتحويل 1 ليتر من الحليب الخام إلى منتج نهائي نحتاج إلى 5.7 لتر من الماء، ولذالك يجب وضع الماء في عين الاعتبار، لأنه يستخدم بكميات هائلة، مما يرفع تكلفة استخدامه، والتخلص منه كنفايات صناعية ملوثة، يحتاج الى وحدات تكرير وتصفية مما قد يضعنا أمام العامل البيئي الذي يجب مراعاته.  
4-الكادر البشري 
 تعرف السوق الموريتانية نقصا شديدا في الكادر البشري ،من مهندسين وفنيين في المجال الصناعي عموما مما يعيق بشكل كبير نمو القطاع الصناعي في موريتانيا ومع العلم أن التخصص لا يدرس نهائيا فيها وعديد التخصصات المرتبطة بهندسة الصناعات الغذائية ،هذا النقص يجعل المستثمر يلجأ إلى الأجانب، مما يزيد في الأعباء المالية عليه ، وبالتالي على الدولة العمل على تحسين المهارات، وانشاء مدارس مهندسين وفنيين للمساهمة في تغطية السوق .  
5-سوق المواد والمعدات الصناعية 
يجب العمل على إنشاء سوق صناعية ،تتوفر على المعدات الصناعية والزراعية ،من تجهيزات وقطع غيار أساسا وأكسسوارات ومواد كيمائية و أدوية نباتات ،ليسهل على المصنعين إقتناء المستلزمات الصناعية بسهولة .

هذه العوامل التي جعلت الصناعات الغذائية، تعاني ضعف بنيوي كبير، وعزوف المستثمرين عن هذ القطاع ،مع أهميته ودوره في تحقيق الاكتفاء الذاتي محليا، والوصول إلى تحقيق الأمن الغذائي ،ولدوره الكبير في النهوض بالإقتصاد، و زيادة إحتياطي  العملات الصعبة ، وزيادة الاعتماد على الإنتاج الوطني ،والمساهمة المباشرة في خفض البطالة ،وتحسين مستوى المعيشة للمواطن على جميع الاصعدة . 
احمد سالم محفوظ مهندس صناعات غذائية