رسالة إلى شقيق تونسي

في معرض  حديث له على  قناة "الجزيرة الرياضية" حول انتخابات رئاسة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم أل"CAF"  تعرض المحلل الرياضي  التونسي و "الوزير  السابق "طارق ذياب إلى موضوع ترشح بلدي الجمهورية الإسلامية الموريتانية لقيادة " أل"CAF" بنوع من "السخرية والاستهزاء" لا يليق بقيًم الود والإخاء التي تجمع الشعبين الموريتاني والتونسي منذ الأزل، ولا يليق بمقامه هو كوزير سابق مطالب بمؤونة التحفظ أكثر من غيره من المحللين الرياضيين .
ومع احتفاظي الشديد لطارق ذياب في حقه المطلق في التعبير عن رأيه "حتى ولو كان فيه الكثير من التجني وعدم الإنصاف" إلا أني أريد أن الفت انتباهه إلى أن ما يجمع الشعبين الموريتاني والتونسي من أواصر الأخوة والتقدير المتبادل يتطلب منا جميعا الحفاظ على مشاعر الود المشتركة حتى ولو اختلفت مع قناعاتنا "الرياضية".ولعل سبب "انزعاجي" من تصريحات معالي الوزير السابق هو انه لم يأتينا من تونس عبر تاريخنا الطويل المشترك إلا ما هو طيب ومفيد وحضاري. ومع قناعتي أن التزامات"معالي الوزير" الرياضية تمنعه قطعا من مطالعة التاريخ  فسأنعش ذاكرته ببعض حلقات  الود والتواصل بين الأمتين  والتي أنتجت على مر الزمن "عبقا زكيا " أصله ثابت وفرعه في السماء،ورغم أن المؤرخين يجزمون أن التواصل بين الشعبين قديم قدم الإستطان البشري في إفريقيا، إلا أن الزيارة التي قام بها الأمير الصنهاجي يحيى بن إبراهيم الكدالي إلى القيروان سنة 427 هجري تبقى علامة فارقة في رحلة التواصل تلك، وحسب  سعادة السفير عبد الرحمن بالحاج علي فإن هذا الأمير هو أول شخصية وازنة من بلاد الملثمين تزور القيروان، والتقى خلال هذه الزيارة مع الفقيه أبي عمران الفاسي،الذى اختار له عبد الله بن ياسين الزعيم الأول للمرابطين، وجامع شملهم، وصاحب الدعوة الإصلاحية فيهم فكانت تلك هدية تونس الأولى لنا،والهدية الثانية تمثلت  في نقل "الرسالة الفقهية" التي ألفها عبد الله بن أبى زيد القيرواني، من أرض القيروان إلى بلاد شنقيط، واحتفاء الشناقطة بها. ويمكن لمعالي الوزير"المحلل الرياضي" العودة  إلى كتاب "صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار" للمؤرخ التونسي محمد بيرم الخامس والذي احتوى"أول تعريف معاصر كتبه مؤرخ عربي لهذا الجزء من الصحراء الإفريقية الذي أطلق عليه اسم (ممالك الصحراء) قبل أن يطلق عليه بعد سنوات قليلة اسم (موريتانيا) وتلك كانت الهدية الثالثة.
وفي العصر الحديث استمر التواصل القائم على تقدير القواسم الثقافية والحضارية والإنسانية المشتركة  واعتمد الموريتانيون على تونس ودورها الريادي في قضايا كبرى وكانت دائما إلى جانبهم وفي أدق المراحل وأصعب الظروف ، وهو ما جعل كل النخب في بلدي متأكدة وفي المطلق من دعم تونس لملفها لقيادة " أل"CAF" وتنتظر من  نخب الإعلاميين والرياضيين والمسئولين في تونس وقفة شجاعة طالما تعودنا عليها منذ مواقف الزعيم الحبيب بورقيبة الخالدة في ذاكرتنا الجمعية.
كان يمكن لطارق ذباب و"هذا حقه" أن ينتقد واقع كرة القدم في موريتانيا، ويشرح الأسباب  الموضوعية لغيابها عن المحافل الدولية ، وكان يمكنه أيضا من باب الإنصاف- وهو يتحدث من منبر عربي- الإشادة بالخطوات الجبارة التي قطعتها كرة القدم في بلا دنا في الفترة الأخير تحت قيادة مرشحنا لقيادة أل"CAF" والتي نالت استحسان وتشجيع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم نفسه، ولكنه وللأسف لم يكلف نفسه عناء "التفكير" قبل الرد على السؤال وانزلق إلى النظرة النمطية "عن البلد" التي يحبس فيها كثيرٌ من النخب العربية أنفسهم وهي نظرة بعيدة عن الموضوعية، ومجافية للحقيقة، ولكن بعض الأشقاء يرفض تجاوزها.
ولعل طارق ذياب لا يعرف أو لا يدرك أن موريتانيا لم تعد دولة "البدو الرحل" ولم تعد "دولة الخيام" مع اعتزازنا المطلق بتراثنا وقيمنا البدوية التي تميزنا عن غيرنا، ولعه لا يدرك  أيضا أن سنة التطور ضربت هنا بإطنابها وفي كل مجالات الحياة، وان الموريتانيين يساهمون بجدارة في تشكيل منظومة العمل الدولي  وإدارة الشأن العالمي مع تركيز مطلق على احترام قيم التنوع وتقدير الاختلاف.ويبدو انه لا يدرك أيضا أن قيادة موريتانيا للمؤسسات الإفريقية ليست حديثة عهد، ولا تنتظر تزكية من أحد بقدر ما تعتمد على الثقة التي يحظى بها الموريتانيين من قبل الأفارقة أولا، ولعلي هنا اذكره بقيادة طيَب الذكر الرئيس المؤسس المختار ولد داداه لمنظمة الوحدة الإفريقية (1971-1972) والتي اعتبرها القادة الأفارقة في وقتها من أفضل فترات إدارة المنظمة وأكثرها ديناميكية خاصة في دعم الدول الطامحة للتحرر من نير الاستعمار.كما أريد أن الفت نظر طارق ذياب إلى الوظائف السامية التي يتقلدها أبناء موريتانيا  ضمن المنظومة الدولية بنجاح منقطع النظير من مساعد الأمين العام للأمم المتحدة إلى مبعوثه الخاص، إلى ملفات الاتحاد الإفريقي الأكثر تعقيدا وحساسية، ومنظمات العمل العربي المشترك وبعثات حفظ السلام والدعم الدولي في إفريقيا والوطن العربي.  
من نافلة القول أن تصريحات طارق ذياب لا تعكس أي "مزاج في تونس"وان النخب المؤثرة والفاعلة في الشأن العام تقدر ما يربط موريتانيا وتونس قديما وحديثا، ومن علاقاتي الخاصة أدرك مدى اعتزاز أهل تونس بالمشتركات الثقافية والحضارية والإنسانية التي تجمعنا ،والتي لا يقابلها عندنا إلا مقولة الراحل احمد الوافي الذي كان يردد دائما "أن موريتانيا ولدت من رحم تونس مرتين"، المرة الأولى تزامنت مع انطلاق حركة المرابطين، إذ كانت إبان زيارة الأمير الصنهاجي يحيى بن إبراهيم الكدالي للقيروان عند عودته من الحج سنة 427 هجري، ولقائه بأبي عمران الفاسي قطب المالكية في المغرب الكبير،والمرة الثانية كانت عند "إعلان الدولة الموريتانية الحديثة ومساندة الجمهورية التونسية لها في كافة المحافل الدولية وفي كل مجالات التعاون. 
تبقى تصريحات طارق ذياب نشازا "يحفظ  ولا يقاس عليه" كما يقول المناطقة، ولكنها تبقى أيضا تعبيرا عن بعض الترسبات "النمطية التي يحتفظ بها البعض حول موريتانيا والموريتانيين، وهي ترسبات ستقتلع مع الزمن حين نستطيع إيصال حقيقتنا وما نحن عليه للآخرين وعبر الرسائل المضمونة الوصول.
أرجو أن تتقبل تحياتي الخالصة،