ندوة علمية تسْتنطق الحصيلة والمطلوب بعد عام من حكم الرئيس الغزواني

استنطقت ندوة علمية، شارك فيها أمس سياسيون وباحثون ووزراء سابقون، حصيلة المنجزات المحققة في موريتانيا خلال السنة المنصرمة التي هي أولى سنوات الرئيس محمد الشيخ الغزواني.
وأثارت الندوة، التي نظمها المركز الموريتاني لأبحاث التنمية والمستقبل، تحت عنوان «موريتانيا بعد عام: فاتح أغسطس، ما الحصيلة وما المطلوب»، الأسباب التي عرقلت آلية الإنجاز خلال السنة المنصرمة، مؤكدة عبر تدخلات المشاركين أن الانشغال العام بالتحقيق في تسيير الرئيس السابق كان أبرز معيق أضاع الوقت وأوهن الجهود».
وركزت التدخلات التي شهدتها جلسات الندوة على موضوعات بينها «الانفتاح السياسي» و»المشكل الاجتماعي والهوية»، بالإضافة إلى «أزمة كورونا ومشكلة التعيينات في مناصب الدولة».
ودعا المشاركون لمنع الرئيس الغزواني إلى «فرصة لتقييم أداء حكومته وتهيئة آليات انطلاقة جديدة لتحسين ذلك الأداء».

 

وثمن أغلب المتدخلين في الندوة ما شهدته السنة الماضية من انفتاح سياسي من طرف الرئيس الغزواني تجاه المعارضة، غير أن تدخلات كثيرة أوضحت أن مستوى الانفتاح لن يكون مجزياً إلا إذا تلاه حوار وطني شامل يتفق فيه الجميع على أبرز القضايا الوطنية العالقة.
وتحدث البعض عن فشل النخبة السياسية الموريتانية التي جعلت المؤسسة العسكرية تسد الفراغ عبر الانقلابات المتتالية.
وأكد المفكر العروبي، محمد يحظيه بريد الليل (حزب البعث)، أن «شبه الإجماع الوطني الذي حصل بعد وصول الرئيس الغزواني للحكم مهم للغاية، بغض النظر عن حالات الخلل في التجربة الديمقراطية الموريتانية، حيث نافس مرشحون الرئيس ثم والوه بعد ذلك، وهذه حالة تستحق الاستنطاق».
ولتفسير هذه الحالة، قال ولد أبريد الليل إنها «حالة رهان على ولد الغزواني، وهي ظاهرة غير طبيعية وسريعة ونادرة»، معتبراً أنه يمكن تفسيرها بأنها «انعكاس لما يدور في قلوب الموريتانيين».
وقدم ولد أبريد الليل شرحاً لظاهرة «الإجماع الشعبي»، مشيراً إلى أنه «في كل مرحلة تظهر حالة إجماع شعبي، فخلال حكم الرئيس المختار ولد داداه وعندما أمم شركة «ميفرما» المختصة في تصدير خامات الحديد، لاقى القبول من طرف الموريتانيين بما في ذلك معارضوه، لأنه عبر عن إرادة المواطنين، ومعاوية ولد الطايع عندما مر بأزمة 1990، بحث عن تحقيق غاية الناس وإرادتهم، فجاء بالديمقراطية، وهو ما دفع بعض المعارضين لمساندته».
وواصل ولد أبريد الليل قائلاً: «الآن نحتاج لمعرفة ماذا يريد الشعب؟ وأنا أعتقد أن الشعب مطلبه التغيير، ومن التغيير المحاسبة، والبحث عن النزهاء والطيبين والمخلصين، ووضعهم في مراكز صنع القرار، وهذه مطالب مستعجلة».
واعتبر ولد أبريد الليل أن «الحصيلة السياسية تبقى معنوية، إلا أن هنالك مطالب لم تتحقق بعد، ومن هذه المطالب ما هو مرتبط بالتركة (تركة النظام السابق) والواقع الحالي»، مشيراً إلى أن المطالب تنقسم لقسمين هما «مطالب على المدى القصير وأخرى على المدى البعيد».
وأكد القيادي الإسلامي، محمد جميل منصور، والرئيس السابق لحزب «تواصل ذي المرجعية الإسلامية» والناشط في المعارضة، أنه «ينظر بمستوى من الإيجابية للفترة الحالية»، مؤكداً أن «الإجماع غير مطلوب في المجتمعات الديمقراطية».
وأضاف أن «هنالك مستوى كبيراً من الانفتاح والتشاور، لكن تحويله لإجراء ما يزال ناقصاً، مشدداً على ضرورة أن «يتم استدراك الأمر في المرحلة المقبلة لتحويل هذه المشاورات إلى واقع ملموس».
وخارج نطاق الندوة، أكد السعد بن عبد الله بن بيه، رئيس مركز مناعة الإقليمي لليقظة الاستراتيجية، في تقييم نشره عن السنة الماضية، «أن الإصلاح الذي يريده الموريتانيون يجب أن يكون شمولياً وعميقاً يروم تغيير قواعد لعبتنا السياسية المختلة، وقواعد وأسس إنتاجنا الاقتصادي المتعثر، وتماسك مجتمعنا المهدد».
وقال: «لقد كانت هذه السنة المنصرمة مليئة بالعبر والدروس ولكن فقط لطبقة سياسية واعية ومدركة ومتجاوزة».
وشدد الدكتور السعد «على أهمية الإقرار بضرورة مواجهة الفساد»، وقال: «ففي الوقت الذي يتطلع فيه سواد عظيم من الناس تضرر من الفساد، غير المشكوك فيه، إلى الزج بالمتهمين بالسجون ثم محاكمتهم، بل وحتى تطلع البعض للانتقام، يتخذ النظام طريقاً أكثر عقلانية وقانونية وشرعية، لقد دفع بالأمر إلى مؤسسة تشريعية نتيجة عملها ستكون بين يدي القضاء الموريتاني، ليقول كلمته العادلة دون تدخل ولا ضغوط، وهذه طريقة تضمن إرجاع الحقوق بعدالة، بعيداً عن الانتقام وتصفية الحسابات السياسية الضيقة».
وأردف قوله: «لقد حدثت انفراجات بل وحتى انتصارات عديدة في أكثر من مجال رغم محدودية الفترة وحساسية الظرف بسبب جائحة كوفيد- 19، لكن علينا أن نقول إن كل تلك النجاحات ستظل نسبية ومحدودة وضئيلة، ما لم نغير زاوية نظرنا ونغتنم فرصة المحنة لنجعل منها منحة، فما دام نظامنا المنتخب أصبح يقف على أرضية صلبة وتكرست شرعيته، وتوطدت مصادر قوته الداخلية والخارجية، لا بد من وقفة مراجعة تنتج عنها استراتيجيات محكمة وواعية تضع منطلقات وأسس الإصلاح النهائي الذي نطمح له كشعب ودولة، ولن يكون هذا الإصلاح إلا بالمصلحين وبالأفكار الصالحة، وبالمنهجيات الصالحة».