ولوج الإعلام الجديد.. الخيار الذي لا مفر منه....

يوما بعد يوم تتأكد المقولة  التي أطلقها أحد خبراء الاتصال أن الإعلام يقوم على صناعة التباين، فلم يعد خافيا على المستهلك أو المتلقي مدى  قدرة وسطوة وتأثير الوسائط الإعلامية الجديدة  في عالمنا المتغير هذا، وما رافق ذلك من مفردات مشحونة بصبغة تقنية محضة، هي من نتاج  وإبداع مفرزات التقانة المعاصرة، أو بلغة أخرى ما تم التواتر على تسميته بالإعلام الرقمي الجديد، الذي  أنتجته ثورة المعلومات والاتصالات ، ومن نتاجه ما يطلق عليه وسائط الملتميديا، أو شبكات التواصل الاجتماعي، أو الصحافة المواطنية التي يصنع المواطن مادتها مكتوبة أو مصورة  ويقوم بنشرها تلقائيا لتستقبل التعاليق واللايكات التي تحدد مستوى التفاعل بشكل أساسي، وقد قلبت هذه الوسائط المشهد والأنظمة والمفاهيم، وطبعت العقول تقنيا وبمنطق جديد سيضع حدا في المستقبل القريب للممارسة التقليدية للإعلام وفق قواعده المتعارف عليها.

 

لقد أبدعت ثورة التقانة الجديدة عصرا رقميا متفاعلا، أنتج بدوره فضاء واسعا وفاعلين جدد، يتملكهم الاستغراق في سماوات النت المفتوحة الساحرة والمبهرة.

 

لقد فرضت هذ المرحلة الجديدة من التعاطي الإعلامي أدوات غير تقليدية تتجاوز   قواعد صناعة الأخبار داخل الغرف وقاعات التحرير، فلم نعد في مرحلة القلم و التسطير على الورق..، و لم نعد  فى مرحلة انتظار بعض الوقت لتحميض الصورة ،  إننا في عصر  إعداد الخبر في ثوان والتقرير في دقيقة ،. في العصر الرقمي السريع، في عصر الصحفي الرقمى الشامل ، المحرر، المصور، المعد لمادته الإعلامية بشكل متكامل.. 

 

إن عبارة شارك  معنا التي أصبحت  تستخدمها كل القنوات  المرئية والمسموعة الدولية، تستبطن معها قدرة فائقة على استيعاب  نمط  و طبيعة  المستهلكين الجدد  الذين أصبحوا شركاء في صناعة الخبر المعتمد على الصورة الحية، السريعة ، المعبرة والمباشرة  وعلى إيجاز من عدة سطور، إن هؤلاء المستهدفين  بالمشاركة  هم أنفسهم صانعو هذا  المشهد الإعلامي الذاتي الوجيز والسريع، الذي يلعب فيه السباق نحو توجيه الرأي العام  الموقف الحاسم ، والدور البارز والكبير، و يمتلك القدرة الفائقة  على التعبئة حول أية قضية  من القضايا  السياسية والاقتصادية والاجتماعية  ودفعها لأن تكون في الصدارة وفرض حضورها بفعل  قوة الحضور المتغلب  وسائطيا.

 

إننا نعيش تحولا مفروضا بمنطق الواقع، يتطلب منا كممارسين تقليدين للإعلام أن نستوعب المرحلة التى نحن فيها، وأن نلجأ إلى استخدام أدوات الإعلام الجديد و أن نحاول المساهمة في توجيه بوصلته، بما ينفع الزاحفين على نتاج وسائطه، الفقيرة في المحتوى وفى المضمون ، لقد فرض عصر السطوة الرقمي حضوره في كافة أشكال نمط الحياة عندنا، شئنا ذلك أم أبينا.

 

لقد أصبح عصر الإعلام الرقمي هو عصر التفاعل المباشر  ولو بمسحة شعبوية ومن غير حواجز ،عصر التأثر والتأثير، عصر التحريض والاستقطاب ، بفعل نجاعة وسرعة الانتشار او القدرة على التعاطي والأخذ بزمام المبادرة، وتحديد البوصلة، إنه عصر المتمكنين العالمين  بمفاتيح المارد التكنولوجي الذي اخترق العقول وأشبع فضول الناس بما ينفعهم وما لا ينفعهم ،  واخترق الحواجز بين الدول والمجتمعات، وفتح الحدود وحول الكرة الأرضية بشكل محسوس إلى حارة كونية صغيرة متفاعلة ، تحولت بدورها إلى سوق مفتوحة يلعب فيها المتمكنون من فك رموز الوسائط  الدور الحاسم والفعال..

 

ان تغييرا كبيرا قد حصل في نمط الإنتاج  التواصلي، وفى مجال تداول المعلومة بشكل خاص، بسبب   الطفرة الوسائطية  المتنامية  ،فلم يعد هناك من دور للممارسة التقليدية للإعلام، بفعل تفوق وتطور عصر الآلة الذي أنتج بدوره عصر الصورة  التي قضت على  قرون عديدة من عصر الورق، إنه عصر  التمكن  والفلتان الرقمي  الذي مكن  كل فرد يمتلك هاتفا متطورا من أن يساهم  في صناعة المعلومة وفق خلفيته وأسلوبه ،  وأن يكون له دور في خلق مستوى من مستويات  التأثر والتأثير علي  وفى جوانب مختلفة من النشاط البشري ..

 

فكل من يسعى إلى ولوج الصدارة، أو إلى التغيير الاستراتيجي،  فعليه من الآن أن يعد العدة  لولوج  العالم الوسائطى، و أن يكون حاضرا وبقوة في فضائه المفتوح  لقوة تأثيره وانتشاره  ولمساهمته  الفاعلة في الحسم والدعاية والتحريض  ولقدرته على تحديد مستوى الهيمنة ، لم يعد هناك من يساوره شك في قدرة الوسائط الإعلامية الحديدة  إنها تلعب دور جيش بكامل عتاده  وأنها الفاعلة في حسم أية معركة من المعارك.

 

محمد سالم ولد الداه

نقيب الصحفيين الموريتانيين