فراق "كيموشه"

كيموشه سيدة من الأولين، عرفت بحدة الطبع وكثرة الخصومات في أفراد حيها، كما كانت لها مهارة خاصة في إيذاء جيرانها والإضرار بهم، وخنق أبنائهم وبناتهم إن انفردت بأحدهم أو إحداهن، كما كان لها في كل يوم اشتباك مع إحدى النساء فلها نفس لا تهدأ إلا إذا سال منها دم شجة أو جرح، أو عضة، أو أسالته من خصومها المتجددين.
وكانت إذا لم تجد سوى دواب جيرانها ضربتها أو أصابتها إصابات قاتلة..
لكيموشه زوج يعتبرها مظلومة دائما حتى ولو شاهد ظلمها عيانا فلا بد أن يسوغه لنفسه، ويدافع عنها حيثما شكى الناس أذاها وشرها المستطير.
مرت الأيام وكثرت جرائر كيموشه وجنايتها، فكانت تفقد رواءها ونضارتها في عين زوجها كلما جنت جناية لا تدخل "أفواه الحسيان" حتى أصبح يوما فرآها على حقيقتها، في لحظة صحوة، فاستبشع صورتها وقرر أن يفارقها بتاتا.
لكن السيد لم يتشجع على مواجهة كيموشه، فخرج من الحي يسوق عجوله إلى المرعى، فلما أصبح بحيث لايسمعه إلا العجول الصغار ناداهم بأسمائهم:
يا ولد أم ادريكه، يا ولد اشكيره، ويا ولد اسفيره، أشهدوا أنني فارقت كيموشه إلى الأبد فهي امرأة في غاية السوء والعدونية والهمجية، وتبالغ في ردات أفعالها تجاه أطفال جيرانها ونسائهم وشيوخهم، وتؤذي، وتمارس جرائم تجويع وتعطيش ضدهم بشق قربهم وإتلاف زروعهم ومعايشهم، وتنكل بعد ذلك بالشهود حتى لايشهدوا على بطشها بأبنائهم، وأنا شخصيا لم أعد قادرا على. الصبر على سلوكها المبالغ فيه.. بل الشنيع أحيانا.
لقد صبرت عليها عقودا من الزمن، والآن نفد صبري، وها أنا أشهدتكم على تخلية سبيلها ثلاثا صحاحا..
ويستمر سيد كيموشه في إشهاد عجوله على فراق زوجته حتى يشتد عليه الحر والعطش والجوع فيعود إلى خيمته "كفا بلا ركبه"، هاجرة الزوال، فتقدم له كيموشه شربة باردة من ظليم اللبن مع حبالية من الأكاذيب، فيشرب بتلهف، ويصدق أو لايصدق، ثم ينام.. وعندما يستيقظ للغداء لا يخبر كيموشه بشيء مما كان يقوله للعجول لأنه يخاف من ردة فعلها "المبالغ فيها"، بل يتحدث معها بتعاطف في خصوماتها واشتباكاتها وجنايتها، ويشهد لها أنها على حق في جميع جرائرها، ثم يخرج من خيمته إلى المحف ليدافع عن حق كيموشه أمام جميع المتظلمين والشهود بلازمة أن لكيموشه الحق الكامل في الدفاع عن نفسها.
وفي صباح الغد يخرج سيد كيموشه في أثر عجوله نحو البراري، حتى إذا انقطع بخيث لايسمعه أحد استأنف إشهاد العجول على فراقه البات لكيموشه كما فعل بالأمس، فإذا عاد كرر أمام الشاكين من جناياتها حقها في الدفاع عن نفسها، ودعمه لها ماديا ومعنويا، لقوة ارتباطه الوجداني والمصيري بها. وهكذا في كل يوم.
هل تذكركم حكاية كيموشه بالعلاقة الغريبة بين دولتين من دول العالم اليوم؟
من صفحة الكاتب محمدو ولد حظان