"كيف يمكن دعمهم؟".. إليك أشهر خمس خرافات عن اللاجئين

مقدمة الترجمة:

مَن هم اللاجئون؟ إنه سؤال بسيط يظن البعض أنه يمتلك إجابة وافية عنه، فيعتقد البعض أنهم هؤلاء الذين تمكنوا من الهروب من ويلات الحرب بسلام، ولذا يجب أن يكونوا فرحين بذلك، ويرى البعض الآخر أن مَن وصل إلى أوروبا أو أميركا منهم قد نال فرصة ذهبية، ويظن فريق آخر في تلك الدول أنهم مجموعة من "اللصوص" الذين جاءوا إلى بلادهم لسرقة الوظائف والتسبب برفع معدلات الجريمة، لكن بحسب كينيث ميلر من منصة "سايكولوجي توداي"، فإن ذلك كله خاطئ، وهو يجمع -بأسلوب مبسط- في هذه المادة خمسا من أشهر الخرافات عن اللاجئين في الغرب، ويفنّدها عبر الدراسات العلمية وقناعات الخبراء.

 

نص الترجمة:

ساهمت الحروب الطويلة والمستمرة في سوريا وجنوب السودان وأفغانستان بدرجة كبيرة في تفاقم الأزمة العالمية للاجئين، إذ وصل عددهم في عام 2017 إلى نحو 65 مليون لاجئ (في حين بلغ عددهم الآن وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى ما يُقدَّر بـ114 مليون شخص)، وهو الرقم الأعلى منذ 20 عاما. كما لعب الخطاب الشعبوي دورا في تأجيج موجة عالمية من التحامل ضد اللاجئين، وهو ما أدى بدوره إلى تزايد الدعوات لوقف تدفق اللاجئين إلى الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وغيرها من البلدان.

على الجانب الآخر، تبذل المنظمات المحلية والدولية جهودا لتلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين، ومعالجة المستويات المرتفعة من الضغوطات النفسية التي تعصف بهم. وللتعامل بفعالية وبصورة صحيحة مع احتياجات الصحة النفسية للاجئين، سيكون من المفيد أولا تبديد العديد من الخرافات المتعلِّقة بأحوال اللاجئين، ومن ثم الاستناد إلى الدراسات الحديثة في مجال الصحة النفسية لتوجيه جهودنا على نحو فعال.

في الحقيقة، إن حياة المنفى كفيلة بإصابة اللاجئين بالضغط النفسي بمقدار لا يقل عما يسببه العنف والدمار الناجمان عن الحروب. من الطبيعي أن نفترض أن المستويات المرتفعة من الصدمة والقلق والاكتئاب التي تستشري بين اللاجئين في مناطق الحرب مثل سوريا وأفغانستان والعراق (وغزة حاليا)* هي نتيجة للعنف والخسارة التي تعرضوا لها قبل أن يصبحوا نازحين. وهذا ما افترضه الكثير من الباحثين والأطباء في الغرب عندما واجهوا آلاف اللاجئين من جنوب شرق آسيا وأميركا الوسطى في أواخر السبعينيات والثمانينيات بعدما تبادلوا قصصا مروِّعة عن المجازر والاعتقال والتعذيب، والفوضى التي ضربت حياتهم إثر تدمير منازلهم وممتلكاتهم واختفاء أحبائهم، ناهيك بشعور الخوف الدائم الذي يخيّم على حياتهم. لهذا كان من الطبيعي أن نفترض أن من رحم تلك التجارب المروعة وُلدت معاناتهم، وهذا الافتراض هو ما أدى إلى التركيز أكثر على معالجة آثار الصدمات المرتبطة بالحروب.

ما نتحدث عنه لا يعني أبدا أن التركيز على علاج صدمات الحرب هو أمر مبالغ فيه بأي حال من الأحوال، فالعيش تحت وطأة الحروب يمكن أن يكون مدمرا بالفعل، وقد يضرب بجذوره بعمق وبقوة ليهدد الصحة النفسية للضحايا على نحو دائم. ومع ذلك، أظهرت الأبحاث التي أُجريت في الـ15 عاما الماضية شيئا مدهشا تماما. تبين في دراسة تلو الأخرى أن الضغط النفسي بين اللاجئين يرتبط بقوة بما يُسمى بـ"ضغوطات ما بعد الهجرة" (post-migration stressors) بقدر ارتباطه بتجارب العنف والخسارة المرتبطة بالحروب. بمعنى آخر، إن ما يحدث للأشخاص بعد نزوحهم إلى بلدان أخرى يؤثر على صحتهم النفسية بنفس قوة تأثير أي تجارب عاشوها خلال فترة الحرب. ورغم أن نتيجة كهذه قد تكون مخالفة للتوقعات بعض الشيء، فإنها مع ذلك تظل حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي نتيجة تكررت باستمرار في العديد من الدراسات التي أُجريت على اللاجئين من مناطق حرب متعددة وبيئات متنوعة.

في عالم تسبغه الحروب في كل مكان، نرى حياة اللاجئين في المخيمات تنطوي على التعرض المستمر لظروف صعبة مثل الأماكن المكتظة وغير الملائمة للسكن فيها، فضلا عن النقص الحاد في الأغذية والرعاية الطبية، والتعثر بأذيال البطالة، والفقر المدقع، وزيادة العنف الأسري، والانفصال عن الأقارب والأحباب، كل ذلك بجانب الشعور المزمن بأن الغد محجوب بغمامة قاتمة لأن حياتهم مُعلَّقة إلى أجل غير مسمى. ترتبط هذه الظروف العصيبة والمرهِقة ارتباطا وثيقا بالاكتئاب والقلق والصدمات النفسية. كما أنها تستنزف قدراتهم النفسية للتعامل مع التجارب المؤلمة التي تمخضت عن الحروب. وفي ظل مواجهة مستويات عالية من الضغوطات النفسية المزمنة والشعور بالضياع وعدم اليقين، يغدو شفاء المرء من عواقب العنف والفقدان الناتج عن الحروب أكثر صعوبة.

لكن حتى لو تساءلنا عن وضع اللاجئين في الدول الغربية الأكثر تطورا، فسنكتشف أن وضعهم لا يختلف كثيرا عمن يقطنون في المخيمات، وهو ما توضحه الورقة البحثية التي قدمتُها مع زميلي أندرو راسموسن عام 2017، التي تشرح مجموعة من المشكلات التي يواجهها اللاجئون بعد الهجرة وتهدد صحتهم النفسية، وتعرقل قدرتهم على الصمود والتعافي من أهوال الصدمة والخسارة التي لحقت بهم. ومن ضمن هذه المشكلات هي العزلة الاجتماعية، والتمييز الذي يواجهه اللاجئون في البلاد المستضيفة، فضلا عن العنف الأسري المتزايد، والفقر الذي يثقل كاهلهم، والغرق في مستنقع الشعور بالغربة لفقدان الشبكات الاجتماعية.

غير أن أشد المشكلات التي قد يرزحون تحت وطأتها هي احتجازهم لأجل غير مسمى أثناء انتظار طلبات اللجوء، وبالتالي فإن تلك العوامل تؤثر بشدة على صحتهم النفسية. ورغم أن العنف المرتبط بالحروب يساهم بوضوح في إطلاق شرارة الضغوطات النفسية للاجئين، فإن التركيز المحدود أو المحصور في صدمات الحرب فقط قد يجعلنا نغفل عن الضغوطات الحالية التي قد تكون مسؤولة عن الجزء الأكبر من الضغوطات النفسية التي تنغّص صفو حياة اللاجئين.