يا غزة عذرا وشكرا / د.أب ولد عمار

معذرة يا غزة، إن الخطب لعظيم، وإن اختيار العبارات التي تصف مشاعر الحزن والغضب والجرح العميق لصعبة بقدر ما يعانيه الشعب الغزي من دمار وتشريد ومجازر وإبادة جماعيه يعجز العقل عن تصورها؛ في وقت يقف العالم - بكل مؤسساته الإقليمية والدولية، والأممية- متفرجا عاجزًا ذليلا ضعيفا خائفا خائبًا خانعا منافقا متواطئا خجولا، وكأنه يتفرج على فلم وثائقي،
وفي الوقت نفسه يتكلمون عن انتهاك حقوق الإنسان! والصحيح أن الغزيين أشرف من هذه القوانين ومن واضعيها؛ لذلك نراها لا تطبق إذا تعلق الآمر بقضيتهم، كما تلوك الألسنة هذه الأيام معاهدات جنيف وقرارات مجلس "الألم" الدولي، ومكافحة الإرهاب، والقوانين الدولية.. تلك القوانين التي لا تُطّبَّق إلا بالمزاج؛ فكم من قانون صدر ضد الكيان الغاصب وتم تناسيه في سلة المهملات.
عذرا يا غزة 
إن طوفان الأقصى طاف بالعالم كله.. فالخسائر التي يتحملها الغزيون في سبيل العزة والشرف يتحمل العالم على الوجه الآخر مقدارها من ذل وهوان، ويتحمل الكيان الصهيونى الغاصب أكبر من ذلك.. فقد أصيب جيشه في عقيدته العسكرية، وسقطت نظرية "الجيش الذي لا يقهر" وأصيب شعبه بخيبة الأمل، وعدم الثقة في مؤسساته العسكرية والأمنية والاستخباراتية؛ فكل يلقي باللائمة على الآخر، وكل يتهرب من مسؤولياته، وعند انقشاع غبار المعركة وبدء لجان التحقيق عملها سيضرب طوفان الأقصى ضربته الارتدادية، وستكون هذه المرة أشد قوة وتنكيلا بالساسة وقادة المؤسسات الامنية والعسكرية أكثر من وقع سيوف السابع من أكتوبر؛ ذلك اليوم الذي سيبقى كابوسًا لكل الإسرائيليين، وسيكون - بإذن الله- بداية للتعاطي مع القضية الفلسطينة وبروزها أولى أولويات الأجندة لشعوب العالم  (كي لا أقول: منظمة الامم المتحدة) وكل من يمتلك ذرة من الإنسانية. ولعل المظاهرات التي تجوب شوارع مدن العالم خير دليل على ذلك حتى يتم تحرير فلسطين.
شكرا يا غزة
طاف طوفان  الأقصى بالذاكرة الجمعية للشعوب العربية والإسلامية، وجعل المسجد الأقصى والقضية الفلسطينية القضية الجامعة الموحِّدة رغم كل الاختلافات والمشكلات الداخلية.. فشكرا لك يا غزة، وشكرا لطوفان  الأقصى، وشكرا لكل أحرار العالم، وشكرا  من موريتانيا؛ حيث طاف بنا طوفان الأقصى ووحد جمعنا، وسار بنا في مسيرات غاضبة جابت مدننا، شاركت فيها كل الأحزاب السياسية؛ المعارضة منها والموالية، وكل المكونات المجتمعية، في مشهد يندر حصوله. كما أن التناغم الحاصل هذه الأيام في موريتانيا بين الموقفين الرسمي والشعبي الداعمين للقضية الفلسطينية منذ اليوم الأول هو موقف جدير بالتنويه والإشادة في ظل انفصام واضح بين شعوب أخرى وأنظمتها اتجاه هذه القضية المركزية للأمة الإسلامية، ولكل أحرار العالم. فصبرا آل ياسين. 
نرجو الله الشفاء للجرحى، وأن يتقبل الشهداء، وأن يسدد ضربات الأبطال المقاومين، وأن يُصَبِّر عوائل الشهداء، وأن يمد جنوده هناك بجنود من عنده؛ فلا غالب لجنده، وما النصر الا من عند الله. (والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
                                  
                                       
                                                                        18/11/2023