د.محمدالأمين ولد الكتاب :دور وادان في إشعاع العلمي في الفضائين المغاربي والصحراوي

  لقد قامت وزارة الثقافة و الصناعة التقليدية و العلاقات مع البرلمان مؤخرا ، بالإشراف على طباعة   و نشر مجموعة من الكتب، عمدت إلى إنتاجها كوكبة من المؤلفين الموريتانيين ، وذلك بدعم و إسناد من الوزارة .  وقد كان لنا  الشرف شخصيا ، في   الإسهام في هذا المجهود الفكري.   وذلك بإعداد كتاب بعنوان:

" وادان إحدى أقدم حواضر بلاد شنقيط ، نبذة عن تأسيسها و مؤسسيها و مختلف هجراتهم منها."  في هذا الكتاب ، حاولنا إظهار  العلاقة بين عمران المدينة  عقب إنشائها ،  ووفرة مواردها   من جهة ، و بين كثافة سكانها و تعدد  أعراقهم و تباين نحلهم و مذاهبهم  من جهة أخرى،  مبينين  أن الحيز الجغرافي الذي كان يكتنف المدينة ،   قد عرف منذ زمن طويل هجرات بشرية متعاقبة.

 و من  بين المجموعات البشرية  التي  ذكرنا وصولها تباعا  إلى  مدينة وادان ، ابتداء من القرن الأول  الميلادي،    تجدر الإشارة  إلى   قبائل أغرمان المسيحية  ، القادمة من غرما بليبيا ، و التي انتدبها الرومان  لخفارة طرق الذهب  ببلاد الملثمين لدى اكتساحهم لها ،  وكذا قبائل إيزوكاغن  الوثنية  ، القادمة من وادي درعة بجنوب المغرب ، و مجموعات  أخرى من  أصول صوننكية .

 إضافة إلى قبائل البافور ، ذات الديانة اليهودية ، القادمة  من منطقة الجريد الجزائرية ،  فضلا عن مجموعات  إحرضانن   و إيرناكن  وغيرهم .

هذا عدى عن  الهلاليين و المعقليين و لوداية ، و سواهم من القبائل العربية المختلفة، الوافدة  من الجزيرة العربية ،عبر صعيد مصر وغيره  من المنافذ الأخرى .

ما يظهر أن النسيج  الإ جتماعي  بمدينة وادان ، كان منذ نشأنه ، و لوقت طويل،  يتسم بتنوع عرقي،  و تباين ثقافي و عقدي .  حيث كانت قبيلة مسوفة  السنية ، تتساكن مع قبائل البافور ذات الديانة  اليهودية ، كما أسلفنا،  و  قبائل أغرمان المسيحية ،  و مع مجموعات إيزوكاغن الوثنية  .  ناهيك عن مختلف  طوائف  الخاوارج    من إباضيين و صفريين  و غيرهم . و قد استمرت تلك  التعددية الدينية و ذلك التنوع المذهبي ،  إلى أن بسط أمراء المرابطين سيطرتهم على   وادان ،  في أوائل القرن الحادي عشر ( 1075م) ، وإلى أن قاموا  بالقضاء على الديانات المخالفة للإسلام ، و باجتثاث شأفة  المذاهب المغايرة للمذهب السني المالكي من المدينة   و محيطها.ومن هنا  يتضح  ، كما أسلفنا ،  أن النسيج الاجتماعي لمدينة وادان ظل لفترة من الزمن، يتسم بتعدد عرقي  و تنوع عقدي.    و استمر  الأمر كذلك إلى أن أحكمت مسوفة قبضتها على المدينة  ،

 وفرضت نفوذها على  القبائل التي كانت  تتعايش معها  في ذلك  المجال الجغرافي ،   نتيجة  لما  قد سبق ذلك  من توغل جيش عبد الرحمن ابن حبيب ابن أبي عبيدة في المنطقة ،  وما   مهد له   ذلك التوغل  لاحقا ،  من إحكام  سيطرة أبي بكر ين عامر على وادان و محيطها  ،  و  ما تلا  تلك السيطرة  من توافد  معتنقي الفكر االمرابطي  وأشياعه على المدينة و احوازها . و ما مهد له  ذلك من التفاف كبريات قبائل صنهاجة  حولهم وتبنيها لمذهبهم.

ولقد أوضحنا أيضا  في المؤلف ، أن وجود وادان  في منطقة تماس يبن الشمال الإفريقي  المصاقب أوروبا،  و الساحل الصحراوي المتاخم لإفريقيا السوداء،  جعل من المدينة ميناء صحراويا  مزدهرا ، وبؤرة تمازج  اجتماعي، وفضاء تبادل تجاري، و مركز إشعاع  علمي  و روحي نابض. وتبعا لكل ذلك، ذاع صيت المدينة في بلدان الساحل و الصحراء ، و شمال إفريقيا  ، و أرويا،

 ما قاد إلى إدراج اسمها  منذ القرن الرابع عشر،  ضمن الأطلس الجغرافي الأوربي,     و أهلها ، بالتالي للمساهمة في  نظام التجارة الأطلسية  ،  أكثر من سواها من المدن  الساحلية  الصحراوية  الأخرى.  ولقد أثار موقع المدينة الإستراتيجي ، و دورها الاقتصادي ، و تأثيرها الفكري والروحي،  اهتمام العديد من الرحالة و المستكشفين و المدونين و المؤرخين  العرب و الأفارقة  و الأوربيين من أمثال : حسن الوزان ومرمول كراباخ والبلاذري و فالنتينو فبرناندش و باتشيكو بيريرا على سيل المثال لا الحصر.

هذا ولم يفتنا أن نبين في الكتاب أن حجم التبادل التجاري بالمدينة ،  ونوعية السلع المتبادلة في أسواقها، قد حولاها تدريجيا إلى ملتقى طرق تجاري يعج بالحركة ويضج بالنشاط. و قد أوضحنا أيضا  أن تأسيسها   في أواسط القرن  الثاني عشر  بجوار القرى المسوفية  التي كانت موجودة  قبلها بالمنطقة ، و ما استتبعه ذلك من توافد النخب المرابطية   المهتمة بالعلوم و المعا