الشيخ الحسن البمباري.. وكذا تكون كواكب الأسحار

 

كان يسلك طريقا يلتمس فيه نشر علم في صفوف تلامذته، و"تبصير سياسي" للمشتغلين بحقل السياسة والشأن العام، بحكمة ووقار، بهدوء ورزانة.
جاءته المنية بغتة، لكنه لم يرحل قبل غرس فسيلته، وقد كانت علما بثه في صدور الكثيرين، وابتسامة لا تفارق المحيا استقبل بها الجميع، ورجاحة عقل استوعب بها موريتانيا بكل ألوانها وأطيافها وثقافاتها.
لم يكن الراحل إنسانا بسيطا، رغم اتخاذه من البساطة نمط حياة، به اتصف طيلة العمر القصير الذي أمضى على وجه البسيطة.
كان الشيخ الحسن يعمل من أجل موريتانيا التي يحلم بها، لكن بتؤدة وذكاء، لم يفجر ولم يخاصم في حياته، وإنما يبدي رأيا سديدا، ويرسي منهجا قويما من أجل بناء مجتمع أكثر تماسكا، لا غبن فيه ولا تفاوت، ولا ظلم ولا اضطهاد.
تراه بين كبار الباحثين والكتاب وأصحاب الرأي، يصغي كثيرا، ويتحدث حكمة ورصانة، بأدوات البحث العلمي حلل وناقش عديد الظواهر الاجتماعية، والاختلالات البنيوية في المجتمع، وبروح النضال والنشاط الحقوقي، دافع بسلمية عن المبادئ والرؤى التي يؤمن بها.
لم يزرع الحقد ولا الكراهية، ولم يسع للتفرقة والتفكك، فحجز مكانة في قلوب كل الموريتانيين، وهم اليوم يبكون فراقه، ويتحسرون على عدم التمكن من رؤيته مجددا.
بين القصر والقبر، كان الفاصل الزمني بضع ساعات فقط، لم يمنعه انشغاله أمس بقصر المؤتمرات بنواكشوط، حيث كانت قمة قادة دول الخمس بالساحل حول التعليم، من السعي للوفاء بالتزامه المهني والأخلاقي، فلم يرد التغيب عن تلامذته لتقديم درسه الفلسفي صباح اليوم، لكن الله أراد له أن يتغيب غيابا سرمديا، وكان الحادث الأليم الذي تعرض له البارحة السبب في ذلك.
لكأن الشيخ الحسن كان يشعر بدنو رحيله، فقد نشر قبل أيام البيتين التاليين لأبي العلاء المعري:
مشيناها خطى كتبت علينا... ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيته بأرض... فليس يموت في أرض سواها
وقبل ذلك كتب: "الذين يكرهون الموت في الغالب قد بنوا دنياهم وخربوا آخرتهم. والإنسان بطبيعته لا يحب الرحيل من العمار إلى الدمار".
نعم كتبت عليك خطى كنت ماشيها إلى مدينة روصو لتعليم تلامذتك، لكنك أبيت إلا أن تعلمهم وتعلمنا جميعا حتى في مماتك، درسا في الجد والإخلاص والمثابرة.
سيبكيك تلاميذ كثر كنت تزرع في نفوسهم الأمل، وتجتهد في تكوينهم وتأهيلهم لبناء موريتانيا الغد، فما كان يبحثه ويحث عليه قادة الساحل في قمة الأمس حيث حضرت، كنت أنت تسعى لتحقيقه في صمت وترى أن كسب رهان كل المعارك يكون بالعلم والعلم فقط.
ستبكيك كذلك مراكز البحوث والدراسات، وجلسات النقاش العلمي، وسيبكيك طويلا كثيرون كانوا يرون ذواتهم فيك، كنت بلسم كل جراحاتهم الغائرة، وأملهم في تحقيق حلم مؤجل.
لكنك وبكل بساطة رحلت وقلت لنا:
"فاقضوا مآربكم عجالا إنما...... أعماركم سفر من الأسفار".

 

 

الكاتل الصحفى  محفوظ واد السالك

 
 · 
رد
 · 2