المستشار الثقافى بالسفارة فى القاهرة : الثقافة والتنمية المجتمعية في موريتانيا

د. المختار الجيلاني
(الملحق الثقافي بالسفارة الموريتانية بالقاهرة)
قدمت هذه الورقة في ندوة المركز العربي للدراسات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية حول
 “الثقافة وتنمية المجتمع الإفريقي”
القاهرة 11ديسمبر2020
 

1. ربما يجدر الانتباه إلى حقيقة مهمة في مستهل الحديث عن ثنائية الثقافة والتنمية في المجتمع، مفادها أن اختيار حالة المجتمع الموريتاني نموذجًا لبدء مناقشة متبصرة حول تنمية المجتمعات الإفريقية وعلاقتها بالعامل الثقافي، مدخل موفق إلى حد كبيرلفهم التعقيدات التي تستلزم حلولا استراتيجية؛ وآية ذلك اجتماع أربعة خصال يصعب توافرها في أي مجتمع آخر في القارة الإفريقية عدى المجتمع الموريتاني، وهي:

الموقع الجغرافي الذي يجعل من موريتانيا مكانًا سِوًى بين شمالي الصحراء الإفريقية وجنوبيها، وبوابةً مفتوحة للقارة الإفريقية على أوربا وأميركا.
التركيبة الإثنية التي تتيح للمجتمع الموريتاني فرصة فريدة من نوعها لدمج الأنماط والتجارب وصهرها في كيان اجتماعيي قبل بالتنوع ويَعُده مصدرثراء واعتزاز.
تنوع مصادر الثقافة الوطنية وانفتاحها في ذات الوقت على الثقافة العربية وعدد من الثقافات الإفريقية.
المكانة المتأصلة للثقافة في المجتمع الموريتاني الذي استطاع منذ عهود خلت قبل نشأة الدولة الحديثة، بناءَ ثقافة عالمة تُعلي من قيمة المعرفة وتشيع مزاولة بعض الأنماط الجمالية الأكثر فاعلية في نقل المعارف وترسيخ القيم المجتمعية كالشعر وفنون الموسيقى والغناء.
التحديات:
وربماتجدرالإشارة هنا كذلك إلى أن إدراج الثقافة لأول مرة في جدول أعمال المؤتمر الدولي للتنمية المستدامة ضمن أهداف التنمية التي اعتمدتها الأمم المتحدة في سبتمبر عام 2015 لم يأت من فراغ، وإنما هو ترجمة لإيمان عميق بأن

 حماية الثقافة وتطويرها هما في نفس الوقت، غايةٌ ووسيلةٌ للمساهمة المباشرة في تحقيق جانب كبير من أهداف التنمية المستدامة. وهو ما اعتبرته اليونسكو خطوة مهمة وذاتَ بهجةٍ ما كان للبلدان منفردةً أن تخطوها في ظل تنامي النزوع إلى الكونية وعولمة المجتمعات، معتبرةً أن الثقافة هي التي تُترجم كِياننا، وأنها العنصر المُؤسس لهويّتنا. فترسيخ الثقافة في صميم سياسات التنمية هو السبيل الوحيد لتحقيق تنمية تتمحور حول الإنسان، وتتسمبالشمولوالعدالة.

وباختصار فإن أبرز التحديات التي تواجه التنمية الاجتماعية في إفريقيا لا ترتبط دائما بمستوى الوفرة في الموارد الاقتصادية، بقدر ارتباطها بالاتجاهات والميول الثقافية لدى مختلف الفئات الاجتماعية؛ حيث تشيع ثقافة الاستهلاك والاعتماد على الغير والابتعاد عن العمل والإنتاج وغياب الحافزية للإبداع والمبادرة غالبًا، فضلا عن بعض المعتقدات والأفكار الراسخة التي تضفي معاني خاصة على الأشياء والمواقف وتحدد من ثم اتجاهات السلوك العام للجماعة الثقافية؛ ذلك أن الثقافة هي المحدد الأول لمجال الإدراك البشري، وتأسيسًا عليه، فإن درجة القابلية المجتمعية للتنمية ترتبط بالعلاقة الجدلية بين السلوك التنموي الممجد أو الحائز على التثمين الثقافي، وبين السلوك التنموي المذموم أو غير المقبول ثقافيًا.

في المجتمع الموريتاني، قد تأخذ المسألة منحًى دون ذلك، فنحن أمام مجتمع موحد الديانة (مسلم مائة بالمائة)، متصالح مع ذاته، ويقبل بالتعايش السلمي بين مختلف مكوناته، وليس له سابق عهد بالنزاعات العرقية أو ما شابه ذلك ولله الحمد، وهذا من شأنه توفير بيئة اجتماعية صالحة لتطوير العلاقات المشتركة بين الأفراد والجماعات، أو ما يسميه ليونارد هوبهاوس “التوافق في العلاقات الاجتماعية”.

غير أن التوزيع الاجتماعي للمهن (مثلا: الزراعة لفئة، وتنمية الثروة الحيوانية لفئة أخرى، والصناعة لفئة، والفنون لفئة أخرى، وهكذا)أو قل هذا النمط الخاص الذي يشكل علاقات الإنتاج التقليدية، ربما لا يزال يشكل عائقا أمام المجتمع الموريتاني ليسهم بكل طاقاته ومقدراته في تطوير نفسه بنفسه، إضافة إلى الصعوبات التي لا تزال تواجه عمل المرأة وتعليمها، واندماج ذوي الاحتياجات الخاصة وتقبلهم في سوق العمل، برغم السياسات المنتهجة من قبل الدولة لإزالة هذه المعوقات.

إن الخطر الذي يشكله تهديد العولمة على الهويات والخصوصيات الثقافية واللغوية للمجتمعات التي لا تتمتع بحضور قوي على الانترنت اليوم، هو أيضا أحد أبرز التحديات التي تواجه التنمية المجتمعية؛ حيث تبدو المجتمعات الإفريقية مهددة في ألسنتها ومقوماتها الثقافية، الأمر الذي يجعل الحكومات مطالبة بانتهاج سياسة ثقافية رشيدة:

تعلي من قيمة العلم والتعلم.
تستجيب لحاجة المجتمعات الإفريقية إلى الانفتاح والاستفادة من تجاربالشعوب عبر العالم، ومن منجزات العلوم والمعارف والتكنولوجيات الحديثة بصورة خاصة.
تحمي التنوع الثقافي المحلي الذي يشكل أُطُرًا حاضنةً للقيم المجتمعية النبيلة ضد أي تهديد من شأنه إضعاف التماسك الاجتماعي.
تحافظ على مستوى الانسجام والتعايش بين المكونات المختلفة