يوسف نجاح عاش أصيلا و"مات فارغا" ..(تعزية)

يوسف نجاح عاش أصيلا و"مات فارغا"
تلقيت ببالغ الأسى والحزن نبأ رحيل الصديق الأعز المغفور له بإذن الله يوسف نجاح ،الأستاذ والأديب والمؤرخ صاحب التصانيف النافعة والأبحاث الرصينة.
يوسف نجاح مواطن مغربي من أصول موريتانية ،حيث تنتمي عائلته "أهل الصبار" إلى قبيلة أولاد أمبارك ذات المجد الأصيل والإرث الأسطوري .
استقرت أسرة أهل الصبار في واد نون بالجنوب المغربي في القرن التاسع عشر واندمجت مع قبائل المنطقة ،مع تمسكها بأصولها لمباركية النبيلة. درس يوسف نجاح في جامعات المغرب وتم اكتتابه أستاذا للغة الإنكليزية ثم مفتشا للتعليم الإنكليزي في الجنوب المغربي.وفي مرحلة دراسته الجامعية تعرف على بعض الطلبة الموريتانيين في المغرب الذين عاب عليه بعضهم جهله ب"لغن وأزوان " وهو المنحدر من قبيلة أولاد أمبارك البيئة الحاضنة والمنتجة لأزوان بلا منازع .
ومن تلك اللحظة توجه الفتى يوسف نجاح ذي التكوين الإنكليزي والثقافة الشلحية إلى جمع ودراسة وتحليل لغن وأزوان حتى صار إماما مرموقا في هذه الفنون ،قبل أن يؤلف كتبه :)مبادئ الأدب الحساني(،و)معالم الأدب الحساني(،التي تشهد له برسوخ القدم والخبرة التربوية في تقديم هذه الفنون بلغة جذابة وسهلة.
وإلى جانب اهتماماته بالأدب الحساني جمعا وتحليلا وتأليفا ،ركز الأستاذ يوسف نجاح في السنوات الأخيرة على جمع وتدوين تاريخ سلطنة أولاد أمبارك فألف كتابه المبدع :)المتدارك في أعلام أولاد أمبارك( ،الذي يمثل دراسة رصينة وشيقة حول تاريخ وحضارة "سلطنة أولاد أمبارك"،وعبر الفصول الشيقة للكتاب جال المؤلف بالقراء بين المتدارك من النساء لمباركيات ،فناني أولاد أمبارك ،مسيقى أولاد أمبارك،أدب أولاد أمبارك ،إلخ ،ثم جاء كتابه الأخير- الذي صدر قبل أسابيع فقط- يحمل عنوان : )تكملة المتدارك، مجتمع أولاد أمبارك في موريتانيا وجوارها(،ليساهم في تحسين معرفتنا حول هذه السلطنة التي تحتل حيزا مهما من الذاكرة الجمعية لسكان الفضاء الصحراوي –السوداني،بقيمها الأصيلة وتراثها الثقافي والفني المستعصي على الاندثار.
تعرفت على الأستاذ يوسف نجاح عام 2013 بعيد صدور كتابي : "الفكر السياسي في غرب الصحراء ،دراسة في تجربة وأدبيات المدرسة الكنتية"،وذلك بسبب احتواء الكتاب على معلومة تاريخية حلت لغزا كان مبهما بالنسبة لنسب عائلة الاستاذ يوسف نجاح،فيوسف وعائلته أهل الصبار نزحوا بشكل مبكر إلى واد نون وانقطعت صلتهم بمجتمعهم الأصلي ،مما جعلهم لايعرفون بالضبط إلى أي الفروع لمباركية ينتمون ،ثم عرفوا لاحقا أن الصبار ولد بوسيف ولكن أي بوسيف ،وكان البعض ينفي لهم وجود إبن لبوسيف يحمل إسم الصبار.
حتى جاء كتاب : الفكر السياسي ،متضمنا بعض الرسائل الموجهة من الشيخ سيدي محمد الخليفة الكنتي إلى أمراء أولاد أمبارك ،وكان من بين تلك الرسائل ، الرسالة التالية :" إنه من عبد ربه الغني به محمد بن المختار إلى خاصته من أولاد أمبارك من يرجوا لهم الإحاطة بعناية الله والتدارك أبناء أحمد بن هنون لعبيدي خصوصا سيدأحمد ولد هنون ولد عثمان ولد أحمد وأعلي ولد هنون ولد أحمد وإخوته ومجمد وأعلي إبني عثمان وبوسيف بن هنون وإبنه الصبار والحيماد وباقي الجماعة"
وما إن قرأ الأديب الكبير محمد يحيى ولد أمصيدف هذه الرسالة حتى بادر إلى الاتصال بالأستاذ يوسف نجاح ،قائلا له على سبيل المزاح :يوسف لقد تم العثور على والدك الصبار ،أنظر كتاب الفكر السياسي لمؤلفه فلان. فأتصل بي الأستاذ يوسف نجاح وأخبرني باتصال ولد أمصيدف وكانت تلك بداية العلاقة الأخوية والعلمية مع الأستاذ يوسف نجاح الذي كان أحد ألمع الباحثين في مجالي الأدب والتاريخ في الفضاء الصحراوي
لقد عاش يوسف نجاح موطنا مغربيا وموريتانيا متمسكا بهويته الأصيلة معتزا بثقافته وتاريخه،وبذل جهده في جمع وتدوين هذه الثقافة بتصميم أسطوري وتضحية مثيرة للإعجاب،وإذا كان "تود هنري" طرح في كتابه :"مت فارغا"،فكرة إفارغ جعبة الإبداع قبل مصيبة الموت،فإن الأستاذ يوسف نجاح قد أخرج لنا في حياته القصيرة الكثير من الأفكار والمؤلفات والأبحاث ،رحمه الله تعالى وتقبله في الصالحين ،وفي ختام هذه التدوينة نرجوا من مجلس جائزة شنقيط أن تمنح جائزة الأدب في موسمها الحالي للأستاذ يوسف نجاح عن كتابه : "المتدارك من أعلام أولاد أمبارك"،الذي شارك به في هذا الموسم ،وهو كتابه يستحق الفوز وصاجبة شخصية تستحق التكريم.
سيدى اعمر ولد شيخنا