الجمعة الكبير... موريتانيا كما نريدها محمد سعدن ولد الطالب

قبل أكثر من عقد من الزمن، وعلى الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يعيد إحياء "الحلم الأمريكي"، ويحفر اسمه في سجل أحفاد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، ولكن على طريقته الخاصة، فجاء مشروعه الأضخم "أوباما كير" ليجعل صحة المواطن البسيط محور العمل والإنجاز، محققا بذلك سبقا تاريخيا عبر به نحو أصوات الأمريكيين في المأمورية الثانية، وعبر به نحو قلوبهم، وإلى الأبد..

 

الجمعة 28 مايو، وعلى ضفتنا الجميلة من هذا المحيط الزاخر بالأمل والحياة، كانت نواكشوط على موعد مع إعادة صناعة هذا المشهد، ولكن على طريقة موريتانية خالصة وبأياد موريتانية..

 

كانت المواطنة "مسعودة" تخطو خطواتها الوئيدة والمتثاقلة عبر سلالم القاعة الرئيسية بقصر المؤتمرات بنواكشوط، لتتسلم من فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، البطاقة "رقم: 1" من بطاقات التأمين الصحي، من ضمن 620 ألف بطاقة سيتسلمها مواطنون ومواطنات من أبناء موريتانيا، في مشهد لم يتكرر كثيرا في تاريخ بلدنا..

 

لم تكن "مسعودة"، وهي تتسلم بطاقتها، لم تكن شخصا واحدا، كانت مفردا بصيغة الجمع، كانت شعبا في شخص، كانت ميلاد حلم، ولبنة كبرى في مشروع موريتانيا كما نريدها أن تكون، كريمة مع المواطن، حانية عليه، هو بالنسبة لها الهدف الأضخم والغاية الكبرى..

 

لم تكن عيون الموريتانيين وهي تراقب الحدث عبر الشاشات، وآذانهم وهي تسمعه عبر الذبذبات، تخفي حجم الأمل المتولد من هذه اللحظة المكثفة، ولا صدق الامتنان لأصحاب القرار..

 

إن تمكين نحو سدس مواطني البلد من تأمين صحي، ليس حدثا عابرا في حجمه وأهميته، وليس عاديا في دلالاته ومعانيه، فكل مسيرة نحو التقدم لا تضع صحة الإنسان ورفاهيته في الصدارة هي مسيرة لا يعول عليها..

 

التأمين الصحي جزء من منظومة متكاملة، تسير بهدوء وثقة، نحو بناء موريتانيا مختلفة تليق بهذا الشعب الكريم، وهي منظومة بدأت ملامحها تتضح شيئا فشيئا، ولعل عنوانها الأبرز هو "الإنسان أولا"..

 

ثمة قرارات وخطوات، تتجاوز العادي والروتيني في عمل الحكومات والأنظمة، لتدخل في خانة القرارات الكبرى والإنجازات الاستراتيجية، ولعل حدث الجمعة الكبير، يدخل ضمن هذا الصنف الأخير.. حدث، على أهميته، هو مجرد بداية لمشوار مبارك، من تنفيذ تعهدات تستحقها موريتانيا وشعبها الكريم..

 

(*) رئيس مركز الرواد للدراسات والإعلام