تابعت وقائع الندوة التي نظمها منتدى الأواصر، والتي ضجت كثيرا بمطالبة بعض الإخوة بضرورة مراجعة الموقف الموريتاني من قضية الصحراء انحيازا للمصالح الموريتانية تورية وتوهيما، وتصريحا بسحب الاعتراف الموريتاني بالجمهورية الصحراوية، وبالطبع فإن الرد من موقع منحازٍ للصحراويين هو استنساخ لنفس الموقف السابق، والذي لا يخدم بحال من الأحوال مصالحنا الوطنية ولا مصالح دول المنطقة، ويشكل كِلا الموقفين إقحامًا لبلادنا في مشكل بين أشقاء أثبتت التجربة التاريخية أننا كلما فقدنا حيادنا بشأنه كلما خسرنا أكثر، وكلما حافظنا على حيادنا بين أطرافه كلما كنا أكثر قدرة على خَلق التقارب وفرض التهدئة. حين خاطب الرئيس بومدين الرئيس المختار (رحمهما الله تعالى) قائلا: إن عليك أن تختار بين الجزائر المغرب، أجابه بتلقائيته المعروفة: أختار موريتانيا، وهو موقف لو حافظنا عليه لاحقاً لتجنبنا الكثير من الكوارث التي أفرزها دخولنا طرفاً في هذا النزاع. لذلك فإن الذين يدفعون ببلادنا لاتخاذ موقف منحاز، ويدعونها للاصطفاف مع طرف دون آخر إنما يخدمون تلك الأطراف، ولا تستساغ تضحيتهم بمصالح بلدهم خدمة لأجندة أي طرف من اطراف هذا النزاع، والذي هو في النهاية نزاع بين أشقاء اختاروا بملء إرادتهم الحرة مسطرة التدويل والاحتكام إلى الأمم المتحدة، لذلك فنحن غير مُحكَّمين بشأنه حتى يكون لزاما علينا إصدار أي حكم بعدالة أو مشروعية أية مطالب لأي من طرفيه، وليس لنا إلا مواكبتهم بمساعينا وجهودنا بغية التوصل إلى حل دائم وعملي يرتضونه. وعلى طرفي النزاع أن يدركا بعمقٍ أن حياد بلادنا يخدمهما أكثر مما يخدمهما انحيازها، وبالتالي فإن محاولة أي منهما للتأثير على الموقف الموريتاني المحايد إيجابيا وبشكل مثمر، سواء عن طريق حملات إعلامية مكشوفة أو بواسطة تحريك مؤثرات أخرى، لن يكون لذلك أي صدى لدى صانع القرار أو لدى الرأي العام الوطني. وعلى نخبنا التوقف عن تمثيل دور الصدى لمواقف الآخرين، فموريتانيا ومصالحها أولاً، وحل النزاع في الصحراء بشكل سلمي وتفاوضي هو الذي يليق بأشقائنا ويخدم استقرار المنطقة وأمنها وتنميتها.