منذ أحداث 11 سبمتمر شهدت منطقة الساحل صراع بين مشروعين غربيين هما الحرب على الإرهاب ومشروع الشرق الأوسط الكبير وكلما فشل زعيم من المعول عليهم في الحرب على الإرهاب يطاح به وتتبعه فترة من الفوضى الخلاقة تمهيدا للانخراط في مشروع الشرق الأوسط الكبير .
يعاني الساحل الإفريقي من مشاكل جوهرية أهمها التشكيل العشوائي للدول التي صنعها المستعمر ومشاكلها الحدودية وصراعتها العرقية والتوزيع الغير عادل للثروات وتحكم أعراق وإذلال أخرى وهيمنة اقتصادية فرنسية ممثلة في الفرنك الافريقي cfa وفساد اداري وارتهان القرار السياسي لفرنسا .
بعد هزيمة فرنسا في الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة منحت مستعمراتها نصف استقلال بمعنى خرجت وأبقت رجالها وهيمنتها الاقتصادية وحاول بعض قادتها الانخراط في مشاريع جمال عبدالناصر ونهرو غاندي وحركة عدم الانحياز وكانت فرنسا لذلك بالمرصاد فرتبوا الانقلاب تلو الآخر في أكثر من بلد مثل موسى تراوري ضد موديبوكيتا وغيرها في النيجر وتشاد .
وفي الثمانينات ظهر القذافي كطامح لخلافة عبدالناصر في قيادة المشهدين العربي والافريقي وكان يدعم معارضي الرؤساء المخالفين له وتتدخل فرنسا تارة لمساعدته في التغيير وأخرى بالابقاء على حليفها ضمن صفقة معينة ومنها حرب تشاد التي طالب فيها بقطاع اوزو كسبب ظاهري للحرب ولكن تحت الطاولة كانت من أجل التخلص من ضباط الجيش الناقمين عليه وقد استخدم فيها حفتر الذي حقق بعض النجاح وسحب عنه الدعم خوفا من انقلاب يوصله للسلطة حتى تم أسره ونقله لأمريكا ويعود بعد ثورة 17 فبراير .
حاولت امريكا أن تجعل من ادريس ديبي ومن امادو توماني توري في مالي وأحمد طانجا رئيس النيجر رجالها في الحرب على الارهاب وزجوا بمعارضيهم ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية وسرعان ما اشتراهم القذافي بأمواله وأخذهم من تحت العباءة الفرنسية والأمريكية واعلن نفسه ملكا لملوك افريقيا فسارع الغرب للإطاحة به .
ثم قامت فرنسا بعد تدخلها في مالي عام 2013 بتأسيس مجموعة G5 لاستخدامها لحماية مصالحها والاستفراد بنهب ثروات افريقيا والاصطدام بالحركات الجهادية التي صنعها الغرب لتبرير حملته الاستعمارية وأصبح كل رئيس يستخدمها للتخلص من معارضيه كما فعل ادريس ديبي الذي بعث المغضوب عليهم من التبو إلى ساحة المعركة وجنرالاتهم ليموتوا ويرتاح منهم ويرسل بعضهم للجنوب الليبي ضد الطوارق ويشغلهم بمعارك لصالح حفتر مقابل حصد دعم الإمارات ومصر في المحافل الدولية للرئيس ديبي كشريك في الحرب على الإرهاب .
كانت واشنطن وباريس تستخدمان الحرب على الإرهاب لتعزيز نفوذهما الجيوسياسي وكان رؤساء افريقيا يتسابقون لخدمته لقمع معارضيهم واستهدافهم وكلما فشل رئيس أطيح به وشهدت مرحلة ما بعده مخاض عسير من الفوضى الخلاقة وأدركت العواصم الغربية أن رؤساء افريقيا لايهمهم سوى البقاء في الكرسي ولو بجلب التنين الصيني لذلك قرر الغرب أن يفطر بهم قبل أن تتغدى الصين بثروات القارة مقابل الإبقاء عليهم في كراسيهم فبدأ التغيير بمالي والان تشاد .
السياسة الغربية في منطقة الساحل بدأت تنقلب رأسا على عقب فأولوية الغرب هي التصدي التنين الصيني والدب الروسي وهذا يقتضي إعادة ترتيب البيت الافريقي وفق أسس جديدة منها خلق تحالفات بين المعارضين الموالين للغرب وبعض قادة الجيش لخلق بديل يمكن الاعتماد عليه لمنع التغلغل الصيني الروسي .
وان اغتيال الرئيس التشادي اثناء معركة تصديه للمعارضة التي كانت تقاتل إلى جانب حفتر حليف فرنسا في الساحة الليبية وقيادة نجله فترة انتقالية لوقف زحف المتمردين لن يوقف تقدم المعارضة فالرئيس السابق كرس القبلية والعرقية في تشاد بحيث يصعب على التبو قبول حاكم من الزغاوى ومن المستحيل أن يستتب الأمر لرىيس تباوي بعد ثلاثين عام من تحكم الزغاوى في كل مفاصل الدولة كما يصعب إجراء انتخابات لأن كل طرف سوف يعترض على نتائجها إذا لم تكن في صالحه .
بعد عشر سنوات من رحيل القذافي تاركا فراغ في قيادة منطقة الساحل يلحق به ادريس ديبي وينتهي الوكلاء الإقليمين لمشروع الحرب على الإرهاب بعدما اقتربوا من الصين وروسيا لتثبيت كراسيهم وقرر الغرب إنهاء صلاحيتهم ودخول المنطقة مرحلة من الفوضى الخلاقة حتى تتبلور معالم مشروع الشرق الأوسط الكبير ضمن سايس بيكو جديدة تتشكل فيها دول جديد لأنه على رأس كل مائة عام يتشكل نظام عالمي جديد تتغير فيه موازين القوى العالمية وتظهر دول وتختفي أخرى وتتبدل الحدود بعدما ثبت فشل الدول المصنوعة فرنسيا في تحقيق أي شيء سوى نهب الثروات للمستعمر وتجويع الشعوب وحرمان اجيال متعاقبة من اي أمل في غد مشرق
بقلم : أبوبكر الانصاري
خبير في الشؤون المغاربية