1- علاقة التأثير والتأثر متبادلة بين القضاء والإعلام، فالإعلام وسيلة لإيصال صورة القضاء للرأي العام، ونشر بعض الأحكام، كما يمكن أن يلعب دورا مهما في نصرة قضايا القضاء وخاصة ما تعلق منها باستقلاله، وفي الوقت نفسه يجسد الاعلام بشكل فعلي الرقابة المجتمعية على القضاء، التي شرعت علانية الجلسات، ووجوب تسبيب الاحكام بغية تحقيقها.
2-يلزم اتباع مقاربة تحقق التوازن المطلوب بين قواعد حرية التعبير وحرية الصحافة والحق في الحصول على المعلومة، المكرسة والمحمية بالدستور وبالاتفاقيات الدولية فضلا عن قانون حرية الصحافة ذي الرقم 017/2006 والقوانين المعدلة له، وبين قواعد المحاكمة العادلة، وما يتفرع عنها من قواعد مرتبطة بسرية التحقيق والأبحاث التمهيدية وسرية المداولات، فضلا عن حماية مراكز الخصوم وحماية حياد القضاء.
3-من الضروري الابتعاد المطلق عن انتهاك سرية البحث والتحقيق، فقد طبع القانون مرحلة البحث الابتدائي (لدى الشرطة)، ومرحلة التحقيق الاعدادي (لدى قاضي التحقيق) بطابع السرية، بغرض حسن سير العدالة وحماية الأدلة، وقد كرست المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية هذه السرية، وقررت أن إجراءات هذه المراحل لا يجوز كشفها ولا نشرها تحت طائلة العقوبات الواردة في القانون الجنائي، وفي نفس السياق تنص المادة 46 من قانون حرية الصحافة على أنه: (يحظر نشر إجراءات التهمة وكل إجراءات المسطرة الجنائية والجزائية قبل قرائتها في جلسة علنية تحت طائلة غرامة تتراوح بين 500.000 اوقية و 1.000.000 اوقية).
4-لأنه كما يقول المثل الإنكليزي: (لا يجب فقط أن تتحقق العدالة، بل يجب أيضا أن يشهد الناس تحققها)، يتعين أن تكون مرحلة المحاكمة علنية، فيمكن نشر وقائعها وفق ضوابط معلومة، وقد نصت الفقرة 2 من المادة 48 من قانون حرية الصحافة على أن: (تقديم تقرير موضوعي عن حسن نية حول المداولات العدلية والخطب الملقاة أو النصوص المكتوبة أمام المحاكم لا يؤدي إلى دعوى قذف أو تجريح أو إساءة).
5-بالرغم من أن القضاء يفترض أن يصدر أحكامه بتجرد وحياد واستقلالية، وفق ما يدور أمامه من مناقشات، وما يعرض عليه من حجج وأدلة، غير أن القضاة من حيث هم في النهاية بشر، يتأثرون بوسائل الاعلام، ويؤثر فيهم توجه الرأي العام وضغطه، وقد أجريت دراسة علمية في المانيا على يد خبير في علوم الاتصال يدعى "هايتاس كيبايتغر" حول تأثير وسائل الاعلام على إجراءات المحاكمة العادلة، وشملت الدراسة 447 قاضيا، و 271 وكيل نيابة، وأثبتت أن 50% من القضاة وممثلي الادعاء العام تأثرت اجراءاتهم بالتقارير الإعلامية، وأن 42% من ممثلي الادعاء العام يفكرون في صدى الرأي العام، واعترف ثلث القضاة بأن التقارير الإعلامية تأثر في حجم العقوبة وتشديدها، من هنا لزم وضع قيود على التقارير الإعلامية بحيث يتجنب تأثيرها على القضاء، حتى نوفر للقاضي الحماية المنصوصة في المادة 90 من الدستور بقولها: (لا يخضع القاضي الا للقانون وهو محمي في اطار مهمته من اشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه).
6-من الضروري أيضا احترام قرينة البراءة التي هي من آكد وأهم المبادئ التي تقوم عليها العدالة، وتحمي الحقوق والحريات، وقد أكدت عليها الفقرة الأولى من المادة 13 من الدستور، وكرستها المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية ، والمادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، ومقتضاها أن كل متهم أو مشتبه فيه يعتبر بريئا إلى غاية ادانته نهائيا بحكم حائز على قوة الشيء المقضي به.