لا شك أنه عنوان مستفز لأسباب أقلها الخلل الكبير الحاصل في الرواتب في البلد، فرواتب التعليم والصحة والأمن والجيش، بل وعموم صغار الموظفين مزرية، ووضعية البلد والمجتمع تستوجب سياسة تقشف لا زيادة المستويات العليا أو التي تليها من الرواتب.
وفي هذا الإطار هنالك أمور يجب إدراكها، حتى لا يختلط الحانب بالنابل ويتم مزج من يتخذ القرار بمن يعارضه:
أولا، لم يتخذ القرار على مستوى لجنة المالية ولا جلسة الميزانية العامة، ولم يتم التصويت عليه، وإنما هو قرار داخلي اتخذه مكتب الجمعية الوطنية وهو أقرب لإعادة توزيع مخصصات للجان والفرق وبعض المهام وتعميمها لتصبح علاوة شهرية لكل نائب؛
ثانيا، إلى هذه اللحظة لم تزد ميزانية الجمعية الوطنية مقارنة بالسنة الماضية، فما تزال عند عتبة 0,47% من الميزانية العامة، رغم أن ميزانية البلد عموما زيدت بحوالي 100 مليار أوقية قديمة، وقد استفاد من هذه الزيادة قطاعات مختلفة لم ينل موظفوها ما يستحقون من زيادة للرواتب مع الأسف.
ثالثا، أسوأ ما في هذا الإجراء هو عدم زيادة الموظفين في الإدارات التابعة للجمعية وعناصر الحراسة وصغار العمال، وهذا يعكس خلل السياسة المتبعة في كل مؤسسات في البلد، ورؤية صناع القرار فيه حيث يأتي الاهتمام بالأقوى غالبا، ويجد الضعيف الفتات فقط، في هذه الحالة لم يجد الضعيف حتى الفتات!!
رابعا؛ تخلط ردات فعل الرأي العام غالبا تجاه هذه القرارات عند مقارنة الرواتب والمردودية بين من يطرحون مشكل الرواتب ويدافعون عنه وبين أغلبية موالية تسحقهم، وهي أغلبية يصوت لها أغلب الشعب، بما في ذلك أغلب الموظفين؛ وهذا غبن سياسي ومعنوي بيّن؛
خامسا، من يشعر فعلا أن هذه القرارات وغيرها من سياسة تكريس الخلل في الرواتب بل وفي توزيع الثروة عموما ( الرواتب لا تختلف عن العقار في الحضر وفي الأراضي الزراعية، ولا عن رخص الصيد، والصفقات الخ) قرارات ظالمة وجائرة، ويشعر بالغبن والحيف والخلل الحاصل في توزيع الثروة، وفي ترتيب الأولويات، وفي انتشار الفساد الخ عليه أن يقف بصراحة وجراءة ومسؤولية وجدية ضد الأغلبية الحاكمة أو المحكوم بها، بدل اللوم والغضب ثم الولاء والتصويت لهذه الأغلبية في نفس الوقت، فليس من الجيد أن نغضب من سياسات معينة وإجراءات محددة، وقرارات بذاتها، ثم نؤيد المسؤولين عن كل ذلك. ولولا ولاء أغلب من يعانون لمن يعانون منه لتغير الحال.
نحن نريد تغيير واقع نواليه وندافع عنه وهذا ليس من الحكمة ولا من الحنكة!!