أثناء نقاشات خضتها مع بعض الأصدقاء عند الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة في موريتانيا الشهر الماضي، كان في كل مرة يتردد سؤال: طيب، لماذا الناهة بنت مكناس؟
وكنت دائما أرد: وماذا لديك على الناهة بنت مكناس؟ فلا أجد جوابا مقنعا. الحقيقة أن المرأة ترأس حزبا سياسيا، يشارك في الحكومة، وليس من حق أي أحد أن يفرض عليه كيف يختار ممثليه لهذا المنصب.
وبعد مناقشة كثير من الأصدقاء لم أجد منهم من لديه مأخذ جدي على تسيير الوزيرة الناهة بنت مكناس للوزارات التي تولت. عرفت أن الأمر لا يعدو انطباعا تكون لدى البعض من خلال نكتة تحولت إلى حملة. قال أحدهم إن الناهة بنت مكناس تحولت إلى ثابت في كل الحكومات على مدى فترة هي الأطول في تاريخ الشخصيات الموريتانية، فتحول الموضوع إلى نكتة ثم إلى حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، ووجد بعض الناس نفسيا أنه يريد حكومة بدون الناهة بنت مكناس. لا شيء غير هذا.
هذه الشخصية التي يوفر لها حزبها حماية سياسية من نوع خاص لكونه أحد الأحزاب المؤثرة في منطقة الضفة، لم توجد في تسييرها للوزارات التي تولتها طوال السنوات الماضية شبهة فساد يمكن أن يركن إليها في اتهامها.
وقرأت مرة لدى بعض نقابيي التعليم أن أفضل فترة خلال العشر سنوات الماضية هي التي قضتها الناهة بنت مكناس على رأس الوزارة. لقد كانت تستعين بأهل الخبرة، وتضع نفسها فوق اللوبيات المتصارعة في القطاع.
آخر لقاء جمعني بالوزيرة الناهة كان أيام الصراع في البرلمان بين النواب الداعمين للرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وأولئك الساعين لحجب الثقة عن حكومته. كنت أيامها أغطي في البرلمان لصالح وكالة الأخبار، ولم يكن نوابنا الأفاضل، خاصة منهم نواب الأغلبية يعيرون كبير اهتمام للصحفيين. كانت الرئيسة الناهة من بين الاستثناءات القليلة مع الرئيس سيدي محمد ولد محم الذين إذا لجأت إليهم بسؤال خارج سياق الموقف ربما أعطوك بعض المعلومات، أو أشاروا إلى خطوط التوجه العام. لم أكن أنسى لهما هذه الخليقة. وكنت أترصدهما في الممرات، إضافة إلى النائبين محمد المصطفى ولد بدر الدين ومحمد ولد ببانه.
مرة سألت الناهة عن شيء ما زال في الكواليس، فابتسمت وقالت: "ذاك أخباره ما فات لحكت إلاه"، فتأكد عندي الخبر. ومرة سألت سيدي محمد ولد محم عن تسريب كونه سيكون رئيس المحكمة العدل السامية، وأن ذلك فيه قدر من تفاصيل ليدين، فضحك ورد علي: "اتفاصيل ليدين ماه شكطة".
ما قوبل به تعيين الناهة بنت مكناس في الحكومة الأخيرة لا يخرج في عمومه عن كل الموجات التي تتعالى فيها الصيحات من دون تبين، ويتناول فيها المسؤولون من غير تثبت، وكأن أعراضهم مباحة بمجرد اختيارهم خوض الغمار الحياة العامة!. إن أعراض الناس تظل مصونة، بالشرع والقانون والعرف، حتى وهم وزراء ورؤساء ومديرون.