يدين مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان التدخل العسكري المستمر منذ عام 2016 في الشأن الليبي، مما ساهم في تقويض الجهود المحلية والدولية للوصول لحل سياسي سلمي في ليبيا، كما يدين المركز قرار البرلمان التركي عقب توقيع مذكرتي تفاهم بين تركيا وليبيا؛ بالموافقة على الانتشار العسكري وإرسال مقاتلين إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، المعترف بها من الأمم المتحدة.
يهدد التدخل العسكري التركي المحتمل بمزيد من التدهور في الوضع الإنساني للمواطنين الليبيين الذين يعيشون في ظل صراع مسلح منذ عام 2014. لقد تدهورت الأوضاع في ليبيا على نحو ملموس منذ تورط المجموعات شبه العسكرية التي تطلق علي نفسها أسم “الجيش الوطني الليبي العربي” بقيادة خليفة حفتر، المدعومة من الإمارات ومصر، في الهجوم على طرابلس في أبريل 2019. الأمر الذي أسفر وفقًا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن مقُتل ما لا يقل عن 284 مدنياً وإصابة 363 خلال هذا العام. بزيادة تقدر ب 25 بالمائة عن معدلات الضحايا في الفترة نفسها من العام الماضي. وقد سقط معظم هؤلاء الضحايا جراء الغارات الجوية التي تسببت في مقتل 182 شخصًا وإصابة 212 أخرين، فضلاً عن المعارك البرية والعبوات الناسفة وعمليات الاختطاف والقتل.
يقول نيل هيكس، رئيس برنامج الحماية الدولية بمركز القاهرة أنه “على المجتمع الدولي الابتعاد عن السياسات التي تغذي جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بلدان مثل اليمن وسوريا وليبيا.” ويضيف : “على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والقوى الدولية الأخرى تمكين الأمم المتحدة من القيام بمهامها الأساسية، كما يجب على الدول ذات النفوذ الإقليمي و الدولي التخلي عن التدخل العسكري كسياسة وأن تتبنى الجهود المستمرة لإنهاء النزاعات في المنطقة.”
لقد دعمت التدخلات الأجنبية في ليبيا المجموعات المسلحة و شبة العسكرية التي تتلقى مساعدة عسكرية مباشرة من دول أجنبية. ونتيجة لذلك، استمر الصراع الليبي الداخلي وازداد اشتعالاً. وتنامت الجماعات المسلحة المتطرفة العنيفة في هذه الظروف، هذه الجماعات التي لا تنحصر فقط في داعش، وإنما تشمل أيضًا مجموعات مسلحة سلفية متحالفة مع قوات حفتر، ومجموعات أخري مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة متحالفة مع الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة.
يرتكب طرفي الصراع الرئيسيان في ليبيا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فضلا عن الانتهاكات المتكررة للقانون الإنساني الدولي، بتواطؤ من الدول التي تقدم الأسلحة والذخيرة للجماعات المسلحة في ليبيا. ووفقًا لوثائق فريق خبراء مجلس الأمن بالأمم المتحدة، والذي نشر العديد من التقارير السنوية منذ عام 2015، منحت مصر والإمارات العربية المتحدة الأسلحة والذخيرة لقوات حفتر (الجيش الوطني الليبي العربي)، بينما زودت تركيا حكومة الوفاق الوطني بالمعدات العسكرية. هذا الدعم العسكري للطرفين يمثل انتهاكًا للحظر الذي فرضه مجلس الأمن على ليبيا، الأمر الذي أسفر عن مقتل المئات وتهجير الآلاف قسرًا والاستخدام المنهجي للتعذيب، وزاد من معاناة الـمهاجرين، كما أدى لعرقلة الحل السلمي للنزاع الليبي.
منذ عام 2016، أنهت الأمم المتحدة عملية طويلة من الوساطة السياسية بين الأطراف الليبية المتصارعة، بعد أكثر من عام من المفاوضات. ومع ذلك، لم يدخل هذا الاتفاق السياسي حيز النفاذ بسبب غياب إصلاح لـقطاع الأمن وانعدام المساءلة. كما تسبب اعتماد الأطراف الداخلية على الدعم العسكري المباشر والاعتماد على حلفاء خارجيين في تدمير أي تعاون بين الأطراف الليبية المتصارعة وعرقلة جهود الأمم المتحدة ومحاولة السيطرة على المدن الليبية.
وفي هذا السياق يكرر مركز القاهرة التأكيد على أن المساعدة الوحيدة التي يمكن أن تقدمها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لليبيا لوقف النزاع و احياء عملية سلام ناجحة، تكمن في وقف أي دعم عسكري للأطراف الليبية و الضغط على جميع الأطراف المتحاربة من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار، والعمل على خطة وطنية شفافة برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وبمشاركة منظمات المجتمع المدني، لصياغة رؤية موحدة نحو إعادة هيكلة مؤسسات الدولة والمؤسسات الأمنية في ليبيا. كما يجب اعتماد قرار من مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بتشكيل آلية تحقيق دولية في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي المرتكبة في ليبيا.