لم تكن موريتانيا قبل الاستقلال تملك جيشا وطنيا بالمفهوم الحالي، وإنما كانت توجد إمارات تقليدية، لدى كل واحدة منها مجموعة من الرجال، ينتمون جغرافيا إلى محيط الإمارة التي يدافعون عنها بوسائل عسكرية بدائية، ويتكونون غالبا من مجموعة القبائل المستفيدة من استمرار نظام تلك الإمارة. ويخضعون لقرارات الأمير بسبب وحدة المصالح المشتركة، التي تظهر من خلال تحالفاتهم، إما لمواجهة خطر وشيك الوقوع، أو للقيام بأمر من أجل الحصول على مكاسب معينة.
ولم تكن تلك الإمارات تقوم حروبها على أساس الولاء للوطن، أو إيديولوجيا، أو قضية كبرى، وإنما هي من أجل البقاء والبقاء فقط.
وبعد دخول المستعمر الفرنسي، قام بإنشاء وحدة الجمالة "گوميات" التي تعتبر أول تنظيم عسكري منظم في البلاد، ولكنها تابعة للدولة الفرنسية وتعمل لصالحها.
وفي يوم 25 نوفمبر من سنة 1960تم إنشاء الجيش الموريتاني، وكان يتكون حينها من بعض الشخصيات الموريتانية المتأثرة بالثقافة الفرنسية، ولديها نبذة وتصور عن النظام الإداري الحديث، ومدى تعارضه القوي مع النظام القبلي.
وبعد استقلال الدولة الموريتانية الفتية، بدأ الرئيس المختار ولد داداه في التنسيق والتخطيط مع مختلف الفاعلين وتحصيل الموارد المالية من أجل تكوين جيش يمكنه تحمل مسؤولية الدفاع عن موريتانيا حديثة العهد بالاستقلال، وقد نجح في ذلك فعلا، حيث أعلن عن قيام جيش جماهيري يساير نظراءه في المنطقة، ويتوحد تحت علم الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وبدأ أبناء الوطن الأحرار يتسابقون للالتحاق بالخدمة العسكرية، رغم شدة الظروف في تلك الفترة وشح الوسائل وضعف الامتيازات المادية المتوخاة جراء الخدمة، فكانوا يتمتعون بشجاعة وبسالة قلً نظيرهما، وقد ظهر ذلك في حرب الصحراء 1975-1979 التي كانت أول تجربة حربية لجيشنا الوطني، الذي لايتجاوز حينها 3000 جندي وبالرغم قلته وضعف إمكانيات الدولة آنذاك، إلا أنه كان محل اهتمام العالم، واستطاع الخروج من تلك الحرب بطريقة مشرفة.
أما التجربة الثانية فكانت سنة 1989-1991 إبان الأزمة التي وقعت بيننا مع جارتنا السنغال، وفيها أظهر الجيش قوته وشراسته، ووجه ضربات موجعة للخصم، حيث قدرت الخسائر البشرية السنغالية بحدود 2000 شخص وقدرت خسائرنا البشرية بحدود 1000 شخص بعد انتهاء الأزمة عن طريق التسوية السلمية.
وقد واصل جيشنا الوطني، فرض هيبته الإقليمية والقارية وحتى الدولية، وذلك بتصنيفه دائما على أنه يملك ملكة نادرة ومهارة عالية في القتال، والمواجهات البرية...
ولكن من أهم الفترات التي مرت بالجيش الوطني، فترة العشرية الأخيرة التي كان يشرف عليها رئيس الجمهورية السابق محمد ولد عبد العزيز! والقائد العام للجيوش ومهندس المقاربة الأمنية في المنطقة "الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني"حيث تطورت قدرات ومهارات الطواقم العسكرية، عن طريق التدريب والتكوين، كما تم اقتناء المعدات الضرورية، من طائرات وسيارات ومدافع ثقيلة، وتحسنت ظروف الضباط والجنود معنويا وماديا.
فأصبحنا نملك جيشا، من بين أقوى الجيوش في منطقة غرب إفريقيا، بشهادة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.فلم يعد حاميا للحوزة الترابية فقط، بل أصبح يحمي مناطق من الدول المجاورة، التي تعاني الفوضى وغياب الأمن"مالي مثلا".
كما استطاع جيشنا في السنوات القريبة الماضية، أن يبعد عنا شبح الإرهاب، ذلك الشبح الذي أرق أقوى الجيوش العالمية، واستطاع أن يخترق أنظمتها الأمنية "أمريكا مثلا وبعض الدول الأروبية".
وتتويجا لجهود جيشنا الوطني، فقد أخذ رئاسة القوة المشتركة لدول الساحل G5 التي تم إنشاؤها باقتراح من الدولة الموريتانية، واتخذت موريتانيا مقرا لها. وتسعى هذه القوة إلى القضاء على الإرهاب في المناطق التابعة لها، والوقوف ضد الجريمة المنظمة، والمتاجرة بالبشر والمخدرات...
إن هذا الجيش الذي ضحى كل هذه التضحيات، وصمد أمام أعتى الظروف وأحلكها؛ من أجل مصلحة الوطن والمواطن علينا أن نسانده جميعا، ونمنحه الاحترام الذي يليق به، وأن نبعده عن تجاذبات السياسية ونقاشاتنا الجانبية واتهامات بعضنا لبعض، فهو مزكى ومنزه خلال قيامه بالمهام التي أسندها الدستور إليه، وفي مقدمتها، حماية الحوزة الترابية من أي اعتداء خارجي، واتخاذ السياسات الأمنية المناسبة لحماية الحدود والأشخاص والأموال، وعدم الخوض في السياسة مطلقا، لأن أغلب مهامه يقوم بها في صمت وسرية تامة.
بقلم زكرياء ولد العالم قانوني وناشط سياسي
Facebook Twitter google_plus WhatsApp Partager