اعتاد الشعب الموريتاني منذ تحرره نسبيا من القبضة الاستعمارية الفرنسية في ستينيات القرن الماضي على التعايش جنبا إلى جنب مع الانقلابات العسكرية التي غدت منذ عام 1978 عرفا سياسيا حل محل التناوب السلمي على السلطة المفترض في الديمقراطية حتى بات من المألوف أن التناوب لا يتم إلا بنكهة عسكرية، لاسيما حين نعلم أن موريتانيا كادت تحطم الرقم القياسى في الانقلابات العسكرية، لكن المشكلة في رأينا لا تكمن فيما يبدو في الانقلابات نفسها وإنما في الحيثيات المصاحبة لها دوما، فمعظم الانقلابات عبر تاريخ موريتانيا المعاصرة كانت تلقى مطاوعة ومباركة من النخبة المثقفة والسياسية إلا قليل، وقبولا لامشروطا من طرف الشعب المسكين المغلوب على أمره، فتصور النخبة المتغلب منقذا للبلاد، والانقلاب تصحيحا للمسارات المتعرجة التي تسلكها الدولة متنكبة طريق الإصلاح. كانت هذه هي وضعية الانقلابات ما قبل انقلاب 2008 الذي نفذه آنذاك الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الرئيس المنتهية ولايته حاليا، على أول رئيس مدني منتخب هو سيد محمد ولد الشيخ عبد الله، فقد كان لذلك الانقلاب وقعا كبيرا في تعكير المزاج السياسي في موريتانيا، فحدثت لأول مرة ردة فعل لم تكن متوقعة عند منفذي الانقلاب، حيث وقفت المعارضة آنذاك أمام ذلك الانقلاب الذي أجهض الديمقراطية الوليدة وقوض دعائمها، بيد أن المعارضة آنذاك لم تلبث أن أبرمت اتفاقا سياسيا في في العاصمة السنغالية داكار يوم 2 يونيو سنة2009 بعد أسابيع من المفاوضات مع الجنرال المتغلب انتهت بها إلى الدخول مكرهة معه في انتخابات جديدة قامت على أشلاء الديمقراطية الوهمية التي حيكت بخيوط عسكرية لادخل للمدنيين فيها ولا الأحزاب السياسية إلا من باب كونهم مشرعنين لها ومشرعنة بهم.
ليس ما يهمنا هنا هو هذا الحصاد السياسي التراجيدي وإنما يهمنا التأريخ لتلك التجربة الديمقراطية التي قوضها انقلاب السادس من أغسطس 2008، والتي تمخض عنها انتخاب أول رئيس مدني منتخب يوم11مارس 2007 والتي كانت نشازا في التاريخ السياسي الموريتاني الحافل بالانقلابات العسكرية، فقد كان الشعب الموريتاني آنذاك يعلق عليها آمالا كبيرة في دفع عجلة التنمية في هذا البلد المفعم بالمواد بالموارد الطبيعية، إلا أن تلك الفرصة ضاعت كما قلنا سلفا حين وجدت نفسها أمام انقلاب يقف لها بالمرصاد عارضه بعض الأحزاب السياسية لكنها انتهت إلى شرعنته من حيث أرادت إدانته. ونحن الآن أمام تجربة سياسية تتشابه شيئا ما مع التجربة الديمقراطية 2007في بعض النواحي، فنحن من جهة أمام تناوب سلمي على السلطة، وإن كان طرفاه ليسا مدنيبن، غير أن ما لاشك فيه أنه انتقال طوعي سلس للسلطة، وما دام كذلك فهذا شيء يذكر فيشكر اليوم في ظل تشبث الحكام العرب بالسلطة، فعسى أن تكون موريتانيا أسوة سياسية حسنة للدول العربية في نهجها الديمقراطي الجديد الذي وصفه الدكتور محمد المختار الشنقيطي بالديمقراطية العسكرية. لكن إذا كانت هذه سانحة ثانية ومنعطفا تاريخيا توج بانتخاب رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية عن طريق صناديق الاقتراع، فماهي إذن أهم النقاط التي يعول عليها الشعب الموريتاني على الرئيس الجديد محمد ولد الشيح محمد أحمد الغزواني في مأموريته الجارية؟ الإجابة على هذا السؤال سيكون من الضروري بالنسبة لغزواني معرفتها. فالشعب الموريتاني يعلق على الرئيس المنتخب آمالا كبيرة في سبيل تنمية البلد حسبنا نذكر منها:
1.توطيد الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب المتنوعة بإشاعة العدالة الاجتماعية بين المواطنين عن طريق التقسيم العادل للثروة ومنح فرص متكافئة للجميع في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي لايمكن أن يتم إلا بحوار شامل يضم جميع الأطياف السياسية من مختلف المكونات الاجتماعية على اختلاف مشاربهم السياسية والأيديولوجية، وكذلك نشطاء المجتمع المدني للجلوس على طاولة الحوار من أجل صياغة مقاربة شاملة للنهضة تضمن مشاركة الجميع في صنع القرار، وما لم يتم ذلك سنظل في دوامة من التجاذبات لا تفتأ تعرقل مسار التنمية.
2. تنشيط الاقتصاد وخلق دينامية في شتى مجالات الاستثمار بغرض الحد من البطالة المستشرية في صفوف الشباب حملة الشهادات الأمر الذي سيكون له دورا كبيرا في تجفيف منابع الانحراف والتطرف في صفوف الشباب.
3. إصلاح التعليم في موريتانيا بكل مراحله وذلك باتباع النقاط التالية:
أ..إعادة الاعتبار لللغة العربية كدعامة أساسية من دعائم الهوية القومية المسطو عليها منذ زمن بعيد استنادا إلى تركة استعمارية تلقفتها الأجيال الأولى كما لو أنها قدر وحتمية يرتبط بها التقدم وأن التراث العربي خطوة رجعية تشكل عبئا ثقيلا يحول دون حركة التمنية، ولعل هذا التوجه هو ما عبر عنه الرئيس محمد ولد عبد العزيز حين قال أن موريتانيا مأساتها أنها أرض المليون شاعر، وأن الشهادات العربية والأدبية ليست ذات قيمة بالنسبة للبلد، الأمر الذي أثار حفيظة اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين آنذاك.
ب..الزيادة المعتبرة لرواتب الأساتذة والمعلمين إلى قدر يمكنهم من مزاولة أعمالهم بشكل يتماشى وتطلعاتهم.
3. تفعيل القوانين المجرمة للرق في موريتانيا وإطلاق أيادي القضاة في ممارسة أعمالهم، دون وصاية أو إكراهات، إضافة إلى منح مزيد من حرية الصحافة يكفل لجميع الأصوات المبحوحة أن تعبر عن نفسها فيما تسمح به القوانين.
تلك هي حسب وجهة نظرنا النقاط التي يعلق الشعب الموريتاني على الرئيس غزواني ولذا عليه التعامل معها بحزم وجدية فالشعب الموريتاني لم يعد يتحمل المزيد من المراوقات السياسية وسياسات الفساد التي استنفدت قواه.