في الوقت الذي لا يعرف البلد المأزوم تشييد أي مصنع أو الاحتفال بأي عمل إبداعي علمي أو فني أو أدبي، ولا يشهد أيضا ظهور مطابع أو دور للمسرح أو معارض أو فضاءات للعطاء والتبادل الفكري والبذل العلمي تكثر، على العكس من ذلك وتحت عنوان الأنشطة الثقافية، المهرجاناتُ الفلكلورية والمحاضراتُ والندوات المبتذلة التي تطلق على نفسها صفةُ العلمية والفكرية.
وبالطبع فإن أصحاب هذه المهرجانات وتلك المحاضرات والندوات لا يفوتون فرصة تنظيمها لتوجيه طلبات الرعاية والتمويل والدعم والمساعدة إلى الجهات الرسمية وشبه الرسمية والخصوصية وللأفراد والمنظمات والجمعيات وكل جهة يمكن أن تُبتز للتحصيل الطمعي.
وفي النهاية وبالمحصلة تأتي غالبية هذه المهرجانات سطحية، مرتجلة بلا روح أو رسالة، ومعظم المحاضرات والندوات التي تعمر الفنادق لا علمية ولا فكرية ولكنها قبلية وعشائرية وأسرية "تلميعية" لأشخاص أو توجهات أو تيارات طرائقية وفقط لتسجل نفسها في دائرة التنافس "السيباتي" والتباكي بعبثية مطلقة على أطلال من ماضي ذبلت ملامحه ولم يعد يملكه أحد أو جهة.
هو فقط استمرار الارتكاس الثقافي والفكري وتفاقم الشيزوفرانيا الحضارية في بلاد التناقضات الكبرى والادعاء المفرط بالتميز على خواء في عصر تجاوز أهله هذا المنطق البالي ونبذوا الخمول القاتل.