تخليد الذكرى الخامسة و الثلاثين لانتفاضة 1984 المجيدة

بسم الله الرحمن الرحیم
و صلى الله على النبي العربي الأمین

انتفاضة 1984 المسارات و المالات

الإخوة والأخوات في ھیئة الإشراف
الحضور الكریم،
جماھیر الشعب الموریتاني العظیم

استجابة لطلب ھیئتكم الموقرة، ومساھمة في نشاطھا الذي تنظمھ إحیاء للذكرى الخامسة و الثلاثين لانتفاضة 1984 المجیدة وتذكرا لشھدائھا الإبطال و ترحما على أرواحھم الطاھرة و وفاء لھم و استلھاما لما یحملھ
الاستشھاد من معاني روحیة ووقود نضالي لمواجھة التحدیات التي تواجھ شعبنا وامتنا العربیة و قارتنا
الإفریقیة و عالمنا الإسلامي، أقدم ھذه الإثارة المتواضعة عن انتفاضة 84 المسارات و المالات و ذلك حسب المحاور التالية التالیة :

- الأوضاع السائدة في البلاد في ینایر 84
- خطة التحرك ومسار الانتفاضة
- كیف واجھ النظام ھذه الانتفاضة
- النتائج والدروس المستخلصة
لقد شھد مطلع الثمانینات انتشارا واسعا للتیار الناصري في ألبلاد أدى إلى سیطرتھ على المنظمات
العمالیة والاتحادات الطلابیة و على الساحات المدرسیة من ما أوحى للمحیط الخارجي بقوة و خطورة ھذا
التموقع والانتشار، جعل التیار یوضع تحت أنظار الأجھزة البولیسیة للنظام و القوى السیاسیة المنافسة
والمتعاطیة معھ حینھا.
- الأوضاع السائدة في البلاد ینایر 84
لقد كانت البلاد ترزح تحت وطاة نظام حكم محمد خون ولد ھیدالھ العسكري الذي حكم البلد مابین
1979 – 1984 ، حیث شھدت أوضاع البلاد تدھورا خطیرا على كافة الأصعدة:
- فعلى المستوى السیاسي : سعى ھذا النظام الى تكریس سلطة الفرد الذي یمتلك كل السلطات
والصلاحیات فھو رئیس اللجنة العسكریة للخلاص الوطني و رئیس الدولة و رئیس الوزراء و
وزیر الدفاع و القائد الأعلى للقوات المسلحة و رئیس المجلس الأعلى للقضاء و رئیس الھیاكل و
یمارس الدكتاتوریة والتسلط ویحكم البلاد بقبضة من حدید تستند إلى نظام بولیسي یسعى إلى
تصفیة كل القوى السیاسیة التي رفضت الانصیاع للتدجین مثل التحالف من اجل موریتانیا
دیمقراطیة (AMD (والبعثیین و یستعد لتصفیة الناصریین.
- وعلى المستوى الاقتصادي شھدت الأوضاع في البلاد تدھورا متسارعا لم یسبق لھ مثیل نتیجة
السیاسات الارتجالیة و سوء التسییر.
فتمیز الاقتصاد بالھشاشة بسبب عدم تنوع الصادرات حیث كان یعتمد أساسا على صادرات
خامات الحدید.
و قد أتى الجفاف الذي ضرب البلاد خلال سنوات 80-70 على معظم إنتاج القطاع الریفي الذي
تحول معظم سكانھ إلى لاجئین مشكلین أحزمة بؤس في ضواحي المدن والقرى حیث لا ماء، لا
عمل لا سكن، لا صحة ولا تعلیم، كما أن مدیونیة حرب الصحراء وتمویلات المشاریع الطموحة
التي ذھبت إلى جیوب المفسدین دون أن تنتج ما یعوض تلك الدیون (مصفاة النفط، مصنع السكر،
مصنع نحاس اكجوكت، مصنع الصلب بانواذیب ، مصنع الملابس الجاھزة باواكشوط) قد
تراكمت وحان قضاؤھا حیث بلغ ما یستوعبھ سداد الدیون سنة 84 حوالي %36 من حصیلة
الصادرات، و فشلت سیاسة التقویم الاقتصادي رغم الاستغلال المفرط للثروة السمكیة الھائلة في
نفس الفترة و التي لم تسعف المیزانیة في تسدید الدیون المستحقة و ھكذا تضاعفت المدیونیة
الخارجیة مرتین (619 ملیون دولار إلى 7.1ملیار) ووصل الاقتصاد إلى طریق مسدود خلاصة حالھ جھاز انتاجي ھش و ھیكلة تصدیر عدیمة التنوع و عجز مزمن في المیزانیة العامة و في
میزان المدفوعات و مصادر تمویل خارجیة شحیحة و ذات شروط مجحفة.
امام ھذه الوضعیة، بدأت البلاد تتجھ نحو اللیبرالیة الوحشیة حیث خصخصت المؤسسات العمومیة
وقطعت خطوات نحو لیبرالیة التعلیم و الصحة وزاد ت الضرائب على ذوي الدخول المحدودة
وشھدت أسعار المواد الاستھلاكیة ارتفاعا جنونیا وتخلت الدولة عن مسؤولیاتھا الأساسیة وابتكر
النظام أسالیب جدیدة لامتصاص ما تبقى لدى المواطنین من إمكانیات تحت عناوین التبرع تارة
لقصر الشعب وأخرى لفائدة المتضررین من الجفاف فزادت نسبة التضخم والبطالة ولم یعد
للشعارات، التي یرفعھا النظام( التقویم الاقتصاد والاعتماد على الذات) من مصداقیة ولا معنى
- أما على المستوى الاجتماعي فحدث ولا حرج، لقد انعكست الأوضاع السیاسیة والاقتصادیة على
واقع السكان حیث لم تعد أسعار المواد الاستھلاكیة الأساسیة في متناول الغالبیة العظمى من
المواطنین؛نتیجة تدني القوى الشرائیة للمواطن ،و بدا توقف منح الطلاب وإلغاء نظام الكفالات المدرسية الداخلیة على مستوى المدارس و الثانویات، حیث كان التكفل للتلامیذ بالمأكل والمسكن،
فانتشرت المجاعة و الأمراض الناتجة عن سوء التغذیة و انتشار الأوبئة بین صفوف سكان
الأریاف والكبات.
2 -خطة التحرك ومسار الانتفاضة:
لقد جاءت انتفاضة 1984 لتعبر بصدق عن رفض الشعب الموریتاني ممثلا في قواه
الحیة (عمال، طلاب، تلامیذ، ومواطنین عادیین ) لھذا الواقع المأسوي وردا على التسلط
والاستبداد الممارس علیھ وسعیا إلى تجسید طموحات الجماھیر الشعبیة في الحریة و
تحقیق الحیاة الكریمة ، وفي سبیل ذلك تم وضع خطة تحرك مدروسة و محكمة ونفذت
حسب تدرج زمني مناسب وھكذا:
- تمت بلورة طرح سیاسي یتناول مختلف جوانب الواقع ویفضح سیاسات النظام المتبعة
- إصدار بیانات تفصیلیة تواكب التحرك وترد على دعایات النظام
- دعم و تاطیر الاحتجاجات الشعبیة والإضرابات الطلابیة والعمالیة المطالبة بالتغییر
وتجسیدا لخطة التحرك المذكورة أعلاه انطلقت انتفاضة 1984 في التاسع من ینایر بإصدار بیانھا الأول
تحت عنوان " إلى أین یتجھ التحالف العسكري الرأسمالي" ذلك البیان الذي حلل الأوضاع المأسویة
وكشف انعكاساتھا الخطیرة على حیاة المواطنین مركزا على الآثار المدمرة لبوادر الاتجاه نحو للیبرالیة
في قطاعات الصحة والتعلیم وندد بارتفاع الأسعار وانتشار البطالة وتدني القوى الشرائیة للمواطنین و
سوء أحوالھم ودعا القوى الحیة في البلاد إلى رفض الواقع والسعي إلى تغییره.
وجاءت الخطوة الموالیة، لیلة 28 فبرایر 1984 حیث عمت الكتابات الجدرانیة معظم مدن البلاد راسمة
شعارات لانتفاضة، التي كانت شاھدة على سلامة الحس التقدمي والشعبي للانتفاضة :
ففي مواجهة الكتاتورية و انتهاك الحريات الجماعية و الفردية و مصادرة راي القوى الرافضة للواقع رفعت الانتفاضة شعار "یسقط التحالف العسكري الرأسمالي، لا لطرد ألتلامیذ والطلاب"
- وفي مواجھة تدھور الأوضاع المعیشیة في الریف وما یعانیھ سكانھ من بؤس وحرمان كان شعار
"لا لإھانة وتجویع شعبنا في الریف"
- وفي مواجھة البطالة والتعسف ضد العمال "لا للطرد الجماعي للعمال"
- وجاء شعار " ضریبة التبرع = ثراء الحاكمین من اجل التعبئة ضد ابتزاز واستنزاف المواطنین
باسم مصالح عامة لتحقیق مصالح شخصیة للثلة الحاكمة .
ومع حلول 5 مارس84 وصلت التعبئة والغلیان أوجھما داخل المحیط المدرسي عموما في مختلف أنحاء
البلاد حیث بدأت إضرابات الطلاب و التلامیذ و المظاھرات الشعبیة و المسیرات تعم البلاد إضافة إلى
بعض القطاعات العمالیة كالبحارة و المعلمین (انواذیبو و لعیون) .
ثم توالت بعد ذلك بیانات الانتفاضة مواكبة لتطوراتھا، تحلل الواقع والمستجدات و ترد على حملات
التضلیل والتشویھ التي حاول النظام إلصاقھا بالانتفاضة نذكر منها البيان الشهير " كذب الطغاة"
3 . كیف واجھ النظام الانتفاضة :
واجھ النظام الدكتاتوري الاحتجاجات السلمية في ھذه الانتفاضة بقمع وحشي لا مثیل لھ من ضرب و تنكیل و
استخدام مفرط
للقنابل المسیلة للدموع ثم شن بعد ذلك حملة اعتقالات عشوائیة واسعة النطاق شملت مئات الأشخاص
الذین اخضعوا في زنزانات الاعتقال لاكثر أنواع التعذیب فظاعة، وقد احتفظ النظام بنحو 130 من ھؤلاء
في السجون حتى یوم سقوطھ وكان توزیعھم على النحو التالي:
- فرقة الدرك بلعیون 22 معتقلا - مفوضیة الشرطة في أطار 48 معتقلا - الھندسة العسكریة في انواكشوط 49 معتقلا
- مفوضیة الشرطة فكیفھ 14 معتقلا، تم تحویلھم فیما بعد إلى سجن بیلا
- بالإضافة على 33 شخصا وضعوا تحت الإقامة الجبریة في مناطقھم الأصلیة
وتحت التعذیب الوحشى لسجناء الانتفاضة سقط الشھیدان:
مدرسة الشرطة في انواكشوط - سیدي محمد (سیدات) ولد لبات رحمھ الله ورضي عنھ وأرضاه في 13 ابریل في معتقلھ في
أطار - احمد ولد احمد محمود رحمھ الله ورضي عنھ وأرضاه في 3مایو في معتقلھ بمفوضیة الشرطة في
4 .النتائج والدروس
أدت انتفاضة 1984 المجیدة بما قدمتھ من تضحیات و ما سطرتھ من بطولات وما
أظھرتھ من صمود ومن قدرة على الاستمرار لفترة طویلة نسبیا من جھة و ما وجھھا بھ النظام من قمع وما ارتكبھ في حق السجناء من فظائع من جھة أخرى إلى التضامن
الشعبي الواسع معھا مما افقد النظام مصداقیتھ وأصبح یعاني عزلة خانقة على المستويين
المحلي و الدولي، اجبرت بعض اركانه على على تقدیم رأس النظام وبعض مقربیھ كبش فداء
في انقلاب عسكري في 12/12/ 1984.
- استطاع الناصریون في 1984 تفجیر وقیادة انتفاضة شعبیة بكل المواصفات والمعاییر عبرت
عن رفضھم للواقع وحملت مضمونا اجتماعیا استطاع تمثل معاناة المواطن الموریتاني
وطموحاتھ وكانت التجربة الوحیدة في البلاد التي قدمت شھداء تحت التعذیب من اجل مشروع
الدولة الوطنیة .
- إن وصول أصحاب ھذه الانتفاضة إلى مستوى القناعة بالتضحیة في سبیل مشروع الدولة الوطنیة
في مجتمع مثل مجتمعنا یعتبر سبقا في العمل النضالي المنظم
والھادف.
- إن مستوى الإعداد والتھیئة على مستوى الوسائل لم یكن یستجیب للنتائج التي ترتبت على
الانتفاضة ( جیش من السجناء " شھیدان، یتامى وأرامل)
- اثبتت الانتفاضة الشعبیة، رغم ما قد یترتب علیھا من مخاطر انها ھي السلاح الأخیر الفعال الذي
تمتلكھ الشعوب في مواجھة انسداد أفق الحیاة الذي تخلقھ تراكمات أنظمة الدكتاتوریات والتسلط.
ان استلھام الروح النضالیة لھذه الانتفاضة العظیمة تستدعیھ جسامة التحدیات التي یواجھھا وطننا و
المخاطر المحدقة بھ من الداخل و الخارج، نذكر منھا:
- الدعوات العنصریة و الفئویة التي أصبحت أصواتھا عالیة و مكشوفة بشكل یھدد بانفراط عقد
المجتمع.
- المظلومیات الاجتماعیة المزمنة التي تعاني منھا بعض فئات المجتمع الناجمة عن الاسترقاق و
مخلفاتھ و التي تستغل و بصفة مكشوفة من طرف قوى داخلیة و خارجیة لتفكیك المجتمع و تدمیر
البلد.
- الحركات المتطرفة التي تتخذ من الدین غطاء لتبریر الإرھاب و الإقصاء و التي عمدت إلى تجنید
شباب الأمة لزعزعة الأمن و الاستقرار في المنطقة.
- ریاح الفوضى السیاسیة العارمة التي تجتاح المنطقة العربية و تھدد وجود كیاناتھا السیاسیة
مستغلة سوء الأوضاع على مختلف الصعد.
- حالة التشرذم و التدمیر و الاقتتال التي راحت ضحیتھا معظم الأقطار العربیة فأصبحت الأمة
مستباحة من طرف القوى العظمى و بعض دول الجوار.
لمواجھة ھذه المخاطر یتحتم تلاقي كل الأوفیاء لوطنھم و أمتھم على رزمة الأولویات التالیة:
- جعل امن البلاد و استقرارھا فوق كل الاعتبارات الأخرى
- رفع الظلم عن الفئات المحرومة و السعي إلى إنصافھا اقتصادیا و اجتماعیا.
- تعزیز الوحدة الوطنیة بالحفاظ على السلم الأھلي و عبر إقامة العدل و المساواة و إشاعة ثقافة الحوار
و حق الاختلاف و التنوع.
- ترسيخ التناوب السلمي على السلطة - التأكید على حمایة الحریات الفردیة و الجماعیة و الحرص على دیمومتھا
- خلق مستوى من التنمیة المستدیمة یوفر حدا معقولا من الحیاة الكریمة للمواطنین.
- التأكید على دعم القضیة الفلسطینیة و الوقوف في وجھ المخططات الھادفة إلى تصفیتھا و تھوید
القدس الشریف و استمرار الحصار على غزة.
- ضرورة استمرار النضتل من اجل تحقيق الوحدة العربية الشاملة باعتبار ذلك هو الرد الحاسم على الواقع المتردي.تخليد الذكرى الخامسة و الثلاثين لانتفاضة 1984 المجيدة
بسم الله الرحمن الرحیم
و صلى الله على النبي العربي الأمین

انتفاضة 1984 المسارات و المالات

الإخوة والأخوات في ھیئة الإشراف
الحضور الكریم،
جماھیر الشعب الموریتاني العظیم

استجابة لطلب ھیئتكم الموقرة، ومساھمة في نشاطھا الذي تنظمھ إحیاء للذكرى الخامسة و الثلاثين لانتفاضة 1984 المجیدة وتذكرا لشھدائھا الإبطال و ترحما على أرواحھم الطاھرة و وفاء لھم و استلھاما لما یحملھ
الاستشھاد من معاني روحیة ووقود نضالي لمواجھة التحدیات التي تواجھ شعبنا وامتنا العربیة و قارتنا
الإفریقیة و عالمنا الإسلامي، أقدم ھذه الإثارة المتواضعة عن انتفاضة 84 المسارات و المالات و ذلك حسب المحاور التالیة :

- الأوضاع السائدة في البلاد في ینایر 84
- خطة التحرك ومسار الانتفاضة
- كیف واجھ النظام ھذه الانتفاضة
- النتائج والدروس المستخلصة
لقد شھد مطلع الثمانینات انتشارا واسعا للتیار الناصري في البلاد أدى إلى سیطرتھ على المنظمات
العمالیة والاتحادات الطلابیة و على الساحات المدرسیة مما أوحى للمحیط الخارجي بقوة و خطورة ھذا
التموقع والانتشار، جعل التیار یوضع تحت أنظار الأجھزة البولیسیة للنظام و القوى السیاسیة المنافسة
والمتعاطیة معھ حینھا.
- الأوضاع السائدة في البلاد ینایر 84
لقد كانت البلاد ترزح تحت وطاة نظام حكم محمد خون ولد ھیدالھ العسكري الذي حكم البلد مابین
1979 – 1984 ، حیث شھدت أوضاع البلاد تدھورا خطیرا على كافة الأصعدة:
- فعلى المستوى السیاسي : سعى ھذا النظام الى تكریس سلطة الفرد الذي یمتلك كل السلطات
والصلاحیات فھو رئیس اللجنة العسكریة للخلاص الوطني و رئیس الدولة ورئیس الوزراء و وزیر الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة و رئیس المجلس الأعلى للقضاء و رئیس الھیاكل و یمارس الدكتاتوریة والتسلط ویحكم البلاد بقبضة من حدید تستند إلى نظام بولیسي یسعى إلى
تصفیة كل القوى السیاسیة التي رفضت الانصیاع للتدجین مثل التحالف من اجل موریتانیا
دیمقراطیة (AMD (والبعثیین و یستعد لتصفیة الناصریین.
- وعلى المستوى الاقتصادي شھدت الأوضاع في البلاد تدھورا متسارعا لم یسبق لھ مثیل نتیجة
السیاسات الارتجالیة و سوء التسییر.
فتمیز الاقتصاد بالھشاشة بسبب عدم تنوع الصادرات حیث كان یعتمد أساسا على صادرات
خامات الحدید.
و قد أتى الجفاف الذي ضرب البلاد خلال سنوات 80-70 على معظم إنتاج القطاع الریفي الذي
تحول معظم سكانھ إلى لاجئین مشكلین أحزمة بؤس في ضواحي المدن والقرى حیث لا ماء، لا
عمل لا سكن، لا صحة ولا تعلیم، كما أن مدیونیة حرب الصحراء وتمویلات المشاریع الطموحة
التي ذھبت إلى جیوب المفسدین دون أن تنتج ما یعوض تلك الدیون (مصفاة النفط، مصنع السكر،
مصنع نحاس اكجوكت، مصنع الصلب بانواذیب ، مصنع الملابس الجاھزة بانواكشوط) قد
تراكمت وحان قضاؤھا حیث بلغ ما یستوعبھ سداد الدیون سنة 84 حوالي %36 من حصیلة
الصادرات، و فشلت سیاسة التقویم الاقتصادي رغم الاستغلال المفرط للثروة السمكیة الھائلة في
نفس الفترة و التي لم تسعف المیزانیة في تسدید الدیون المستحقة و ھكذا تضاعفت المدیونیة
الخارجیة مرتین (619 ملیون دولار إلى 7.1ملیار) ووصل الاقتصاد إلى طریق مسدود خلاصة حالھ جھاز انتاجي ھش و ھیكلة تصدیر عدیمة التنوع و عجز مزمن في المیزانیة العامة و في
میزان المدفوعات و مصادر تمویل خارجیة شحیحة و ذات شروط مجحفة.
امام ھذه الوضعیة، بدأت البلاد تتجھ نحو اللیبرالیة الوحشیة حیث خصخصت المؤسسات العمومیة
وقطعت خطوات نحو لیبرالیة التعلیم و الصحة وزاد ت الضرائب على ذوي الدخول المحدودة
وشھدت أسعار المواد الاستھلاكیة ارتفاعا جنونیا وتخلت الدولة عن مسؤولیاتھا الأساسیة وابتكر
النظام أسالیب جدیدة لامتصاص ما تبقى لدى المواطنین من إمكانیات تحت عناوین التبرع تارة
لقصر الشعب وأخرى لفائدة المتضررین من الجفاف فزادت نسبة التضخم والبطالة ولم یعد
للشعارات، التي یرفعھا النظام( التقویم الاقتصاد والاعتماد على الذات) من مصداقیة ولا معنى
- أما على المستوى الاجتماعي فحدث ولا حرج، لقد انعكست الأوضاع السیاسیة والاقتصادیة على
واقع السكان حیث لم تعد أسعار المواد الاستھلاكیة الأساسیة في متناول الغالبیة العظمى من
المواطنین؛نتیجة تدني القوى الشرائیة للمواطن ،و بدا توقف منح الطلاب وإلغاء نظام الكفالات المدرسية الداخلیة على مستوى المدارس و الثانویات، حیث كان التكفل للتلامیذ بالمأكل والمسكن،
فانتشرت المجاعة و الأمراض الناتجة عن سوء التغذیة و انتشار الأوبئة بین صفوف سكان
الأریاف والكبات.
2 -خطة التحرك ومسار الانتفاضة:
لقد جاءت انتفاضة 1984 لتعبر بصدق عن رفض الشعب الموریتاني ممثلا في قواه
الحیة (عمال، طلاب، تلامیذ، ومواطنین عادیین ) لھذا الواقع المأسوي وردا على التسلط
والاستبداد الممارس علیھ وسعیا إلى تجسید طموحات الجماھیر الشعبیة في الحریة و
تحقیق الحیاة الكریمة ، وفي سبیل ذلك تم وضع خطة تحرك مدروسة و محكمة ونفذت
حسب تدرج زمني مناسب وھكذا:
- تمت بلورة طرح سیاسي یتناول مختلف جوانب الواقع ویفضح سیاسات النظام المتبعة
- إصدار بیانات تفصیلیة تواكب التحرك وترد على دعایات النظام
- دعم و تاطیر الاحتجاجات الشعبیة والإضرابات الطلابیة والعمالیة المطالبة بالتغییر
وتجسیدا لخطة التحرك المذكورة أعلاه انطلقت انتفاضة 1984 في التاسع من ینایر بإصدار بیانھا الأول
تحت عنوان " إلى أین یتجھ التحالف العسكري الرأسمالي" ذلك البیان الذي حلل الأوضاع المأسویة
وكشف انعكاساتھا الخطیرة على حیاة المواطنین مركزا على الآثار المدمرة لبوادر الاتجاه نحو للیبرالیة
في قطاعات الصحة والتعلیم وندد بارتفاع الأسعار وانتشار البطالة وتدني القوى الشرائیة للمواطنین و
سوء أحوالھم ودعا القوى الحیة في البلاد إلى رفض الواقع والسعي إلى تغییره.
وجاءت الخطوة الموالیة، لیلة 28 فبرایر 1984 حیث عمت الكتابات الجدرانیة معظم مدن البلاد راسمة
شعارات لانتفاضة، التي كانت شاھدة على سلامة الحس التقدمي والشعبي للانتفاضة :
ففي مواجهة الكتاتورية و انتهاك الحريات الجماعية و الفردية و مصادرة راي القوى الرافضة للواقع رفعت الانتفاضة شعار "یسقط التحالف العسكري الرأسمالي، لا لطرد ألتلامیذ والطلاب"
- وفي مواجھة تدھور الأوضاع المعیشیة في الریف وما یعانیھ سكانھ من بؤس وحرمان كان شعار
"لا لإھانة وتجویع شعبنا في الریف"
- وفي مواجھة البطالة والتعسف ضد العمال "لا للطرد الجماعي للعمال"
- وجاء شعار " ضریبة التبرع = ثراء الحاكمین من اجل التعبئة ضد ابتزاز واستنزاف المواطنین
باسم مصالح عامة لتحقیق مصالح شخصیة للثلة الحاكمة .
ومع حلول 5 مارس84 وصلت التعبئة والغلیان أوجھما داخل المحیط المدرسي عموما في مختلف أنحاء
البلاد حیث بدأت إضرابات الطلاب و التلامیذ و المظاھرات الشعبیة و المسیرات تعم البلاد إضافة إلى
بعض القطاعات العمالیة كالبحارة و المعلمین (انواذیبو و لعیون) .
ثم توالت بعد ذلك بیانات الانتفاضة مواكبة لتطوراتھا، تحلل الواقع والمستجدات و ترد على حملات
التضلیل والتشویھ التي حاول النظام إلصاقھا بالانتفاضة نذكر منها البيان الشهير " كذب الطغاة"
3 . كیف واجھ النظام الانتفاضة :
واجھ النظام الدكتاتوري الاحتجاجات السلمية في ھذه الانتفاضة بقمع وحشي لا مثیل لھ من ضرب و تنكیل و
استخدام مفرط
للقنابل المسیلة للدموع ثم شن بعد ذلك حملة اعتقالات عشوائیة واسعة النطاق شملت مئات الأشخاص
الذین اخضعوا في زنزانات الاعتقال لاكثر أنواع التعذیب فظاعة، وقد احتفظ النظام بنحو 130 من ھؤلاء
في السجون حتى یوم سقوطھ وكان توزیعھم على النحو التالي:
- فرقة الدرك بلعیون 22 معتقلا - مفوضیة الشرطة في أطار 48 معتقلا - الھندسة العسكریة في انواكشوط 49 معتقلا
- مفوضیة الشرطة فكیفھ 14 معتقلا، تم تحویلھم فیما بعد إلى سجن بیلا
- بالإضافة على 33 شخصا وضعوا تحت الإقامة الجبریة في مناطقھم الأصلیة
وتحت التعذیب الوحشى لسجناء الانتفاضة سقط الشھیدان:
مدرسة الشرطة في انواكشوط - سیدي محمد (سیدات) ولد لبات رحمھ الله ورضي عنھ وأرضاه في 13 ابریل في معتقلھ في
أطار - احمد ولد احمد محمود رحمھ الله ورضي عنھ وأرضاه في 3مایو في معتقلھ بمفوضیة الشرطة في
4 .النتائج والدروس
أدت انتفاضة 1984 المجیدة بما قدمتھ من تضحیات و ما سطرتھ من بطولات وما
أظھرتھ من صمود ومن قدرة على الاستمرار لفترة طویلة نسبیا من جھة و ما واجھھا بھ النظام من قمع وما ارتكبھ في حق السجناء من فظائع من جھة أخرى إلى التضامن
الشعبي الواسع معھا مما افقد النظام مصداقیتھ وأصبح یعاني عزلة خانقة على المستويين
المحلي و الدولي، اجبرت بعض اركانه على تقدیم رأس النظام وبعض مقربیھ كبش فداء
في انقلاب عسكري في 12/12/ 1984.
- استطاع الناصریون في 1984 تفجیر وقیادة انتفاضة شعبیة بكل المواصفات والمعاییر عبرت
عن رفضھم للواقع وحملت مضمونا اجتماعیا استطاع تمثل معاناة المواطن الموریتاني
وطموحاتھ وكانت التجربة الوحیدة في البلاد التي قدمت شھداء تحت التعذیب من اجل مشروع
الدولة الوطنیة .
- إن وصول أصحاب ھذه الانتفاضة إلى مستوى القناعة بالتضحیة في سبیل مشروع الدولة الوطنیة
في مجتمع مثل مجتمعنا یعتبر سبقا في العمل النضالي المنظم
والھادف.
- إن مستوى الإعداد والتھیئة على مستوى الوسائل لم یكن یستجیب للنتائج التي ترتبت على
الانتفاضة ( جیش من السجناء " شھیدان، یتامى وأرامل)
- اثبتت الانتفاضة الشعبیة، رغم ما قد یترتب علیھا من مخاطر انها ھي السلاح الأخیر الفعال الذي
تمتلكھ الشعوب في مواجھة انسداد أفق الحیاة الذي تخلقھ تراكمات أنظمة الدكتاتوریات والتسلط.
ان استلھام الروح النضالیة لھذه الانتفاضة العظیمة تستدعیھ جسامة التحدیات التي یواجھھا وطننا و
المخاطر المحدقة بھ من الداخل و الخارج، نذكر منھا:
- الدعوات العنصریة و الفئویة التي أصبحت أصواتھا عالیة و مكشوفة بشكل یھدد بانفراط عقد
المجتمع.
- المظلومیات الاجتماعیة المزمنة التي تعاني منھا بعض فئات المجتمع الناجمة عن الاسترقاق و
مخلفاتھ و التي تستغل و بصفة مكشوفة من طرف قوى داخلیة و خارجیة لتفكیك المجتمع و تدمیر
البلد.
- الحركات المتطرفة التي تتخذ من الدین غطاء لتبریر الإرھاب و الإقصاء و التي عمدت إلى تجنید
شباب الأمة لزعزعة الأمن و الاستقرار في المنطقة.
- ریاح الفوضى السیاسیة العارمة التي تجتاح المنطقة العربية و تھدد وجود كیاناتھا السیاسیة
مستغلة سوء الأوضاع على مختلف الصعد.
- حالة التشرذم و التدمیر و الاقتتال التي راحت ضحیتھا معظم الأقطار العربیة فأصبحت الأمة
مستباحة من طرف القوى العظمى و بعض دول الجوار.
لمواجھة ھذه المخاطر یتحتم تلاقي كل الأوفیاء لوطنھم و أمتھم على رزمة الأولویات التالیة:
- جعل امن البلاد و استقرارھا فوق كل الاعتبارات الأخرى
- رفع الظلم عن الفئات المحرومة و السعي إلى إنصافھا اقتصادیا و اجتماعیا.
- تعزیز الوحدة الوطنیة بالحفاظ على السلم الأھلي و عبر إقامة العدل و المساواة و إشاعة ثقافة الحوار
و حق الاختلاف و التنوع.
- ترسيخ التناوب السلمي على السلطة - التأكید على حمایة الحریات الفردیة و الجماعیة و الحرص على دیمومتھا
- خلق مستوى من التنمیة المستدیمة یوفر حدا معقولا من الحیاة الكریمة للمواطنین.
- التأكید على دعم القضیة الفلسطینیة و الوقوف في وجھ المخططات الھادفة إلى تصفیتھا و تھوید
القدس الشریف و استمرار الحصار على غزة.
- ضرورة استمرار النضتل من اجل تحقيق الوحدة العربية الشاملة باعتبار ذلك هو الرد الحاسم على الواقع المتردي.