في الجمهورية الثالثة التي ندخلها على بركة الله من بوابة هذا الاستفتاء الدستوري المبارك، سيكون المستقبل مغايرا للماضي..
الاستفتاء رسم علامة فارقة بين نمطين من انماط التفكير.. بين أسلوبين من أساليب الحكم.
الأسلوب الأول من أهم ملامحه: تغول سلطة تشريعية منتخبة بشكل مشبوه بطريقة انتقائية، نعني بها هنا مجلس الشيوخ، ومحاولتها الوقوف كعرقلة أمام خيارات الشعب ومصالحه.
ومن ملامحه أيضا تسيير الأطراف من المركز دون التفات إلى حاجياتها وأولوياتها.
ومنها نفقات كبيرة في هيئات وهمية لا تقوم بأي خدمة وإنما تثقل كاهل المواطن.
ضف إلى ذلك تنكر البلد لفرسانه الذين لهم الحق في الخلود في الذاكرة الجمعية للأجيال.
أما الأسلوب الثاني، الذي سندخله بعون الله، فمن ملامحه الكبرى:
وضع حد لعرقلة البرامج التنموية من طرف جهات تعتمد المحسوبية والمنفعة الشخصية عنوانا وشعارا في الحياة.
انسيابية العملية التشريعية الوطنية خدمة لمصلحة البلد والشعب.
إطلاق برامج تنموية محلية منبثقة عن مجالس جهوية تعيش مع المواطن وتعانق آماله وتأسو آلامه.
ترشيد نفقات الدولة من خلال التخلص من الزوائد الدودية المؤسساتية، ودمج المؤسسات وثيقة الصلة.
إعادة الاعتبار لتاريخ البلد وللمراحل التي أدت إلى بناء الدولة، لزرع روح القدوة عند الأجيال القادمة، وهذا مكون رئيس في تأسيس الهوية.
في ضوء هذه الإصلاحات بالغة الأهمية تحافظ الدولة والسلطة على المستوى الرفيع من الحريات الشخصية والجماعية، لأن ذلك مكسب لا يمكن التراجع عنه بحال، وهو ما سيعزز استمراره إضافة إلى تكريس القيم الجديدة في الحكم الرشيد والمصالحة مع الماضي، ما سيعزز استمراره إذن المكانة المعتبرة لبلدنا بين الديموقراطيات ذات المكانة المعتبرة.
وفي ضوئها أيضا سيقرر المواطنون انطلاقا من مجالسهم المحلية أولوياتهم، وستكون تلك المجالس شريكا وذراعا على الأرض لمختلف قطاعات الدولة، وبذلك تكون الدولة قد خطت خطوات لها اهميتها في لا مركزية التنمية والخدمات، ونتيجة لما سبق ستخرج اللامركزية من تموقعها الشعاراتي إلى أرض الواقع.
لن نكون مضطرين في ظل الجمهورية الثالثة الى خطب ود جهة كمجلس الشيوخ تنطلق من خصوماتها مع الذات دون تدبر للموضوع.
فليس من المقبول أن تمرر الجمعية الوطنية وهي الغرفة المنتخبة بشكل مباشر من المواطنين قانونا، ويعترض عليه مجلس الشيوخ المنتخب من طرف منتخبين، لأن الحكومة التي قدمت المشروع لم تجار أعضاء الغرفة في أهداف ومحاولات كسب شخصية.
سيستريح المواطن البسيط وحتى غيره من حزمة ضرائب كانت تصرف لتسيير وترفيه مجلس عاق للوطن، وستستفيد ميزانية الدولة من ذلك الملمح، حيث ستوجه أموال كانت ستتجه الى جيوب أناس لم يقدموا مقابلها خدمات مبررة ستتجه نحو المواطنين مباشرة عبر برامج تنموية فعالة.
سيجد الموريتاني أيا كان نفسه في هذه الجمهورية، فقد استشير حول ملامحها، علمها، نظامها السياسي، ولم تأته معلبة من الخارج يتقبلها على عجرها وبجرها.
وسيجد أبناء من ضحوا من أجل هذا البلد أنفسهم وذكريات آبائهم في العلم الوطني أقدس رمز للدولة، وهو ما سيكون محفزا لتضحيات الأجيال المقبلة.
هذه بعض الملامح والمحددات التي لم تغب عن رئيس الجمهورية وهو يقدم الاستفتاء للمواطنين، ولم تغب عن المواطنين وهم يؤدون واجبهم.
وهي الملامح التي لخصها رئيس الجمهورية بكلمتين جامعتين مانعتين: موريتانيا الرحيمة الممتنة.
الرحيمة بمواطنيها الذين قربت منهم الخدمات، وأزاحت عنهم تغول البيروقراطية النفعية.. وخفضت عنهم فاتورة مؤسسات عديدة في دمجها تحت بند واحد.
الممتنة لأجيالها السابقة التي ضحت، لأبنائها الذين بذلوا دمائهم.. لأبنائها الذين سيضحون من أجلها..
ورغم كل التوضيحات.. كل هذه الدروس.. تكابر معارضة الوهم وتناور.. وتتساءل أي فائدة لهذه الإصلاحات..
وأعدى الداء داء المكابرة..ولكن حسبنا أن الحق أبلج.. وأن المواطنين كلهم يميزون بين الحق والباطل..
وأنهم قرروا قرارهم.. فليشرب المكابرون ماء البحر.. أو فليتجرعوا كيلوغراما من الحبوب المنومة؛ فلا مكان لطروحاتهم الغبية في الجمهورية الثالثة.