منذ صغري في السبعينات عهدت مدينة أطار وضواحيها ، تضج منذو نهاية الشهر السادس، بمريدى < الكيطنة > ، وحتى الصحراوين قبل اندلاع حرب الصحراء،
كانوا يبتغون بانتظام الحضور لهذا الموسم الجميل الصحى المنعش ، وكانت تتركز كيطنتهم في وادي تيارت ، 7كلم غرب مدينة أطار.
كانت الواحات جميلة وتدر بثمار يانعة كثيرة ، كما كانت الأمطار شبه منتظمة التهاطل، رغم محدودية المقادير، إلا أن معها بركة ملحوظة لا تخفى.
ونظرا لأن الهجرة الى العاصمة انواكشوط، وقتها لم تكثر بعد، كان الأهالي يقصدون الكيطنة في الوديان المجاورة من قريب ، من مدينتهم الغالية اطار .
فيتجهون مع بداية موسم الكيطنة إلي الوديان القريبة من المدينة ، اغسيسيل ، ترون ، تيارت ، اتويزكت ، تاريوفت ، اكصير الطرشان ، تض ، تنقراده ، امديرات ، الطواز ، تيزنت ، اعوينت الظمي ، حيمدون ، واد سكليل ، ترجيت ، امحيرث ، تونكاد ، تيمينيت ، المداح ، وغيرها من الواحات ، التي مازاال بعضها يقاوم الذبول والاهمال وعوامل التراجع والاختفاء .
الوديان والواحات المذكورة , مازالت موجودة بنخيلها , لكن المردود والمستوى لم يعد كما كان بصراحة.
فالمياه أصبحت لا تجلب في يعض الأماكن المذكورة , إلا عبر المضخات المائية من مكان غائر في العمق , وزادت الملوحة وقلت العذوبة , وكثرت أمراض النخيل , وتناقص الاهتمام الشعبي من قبل السكان الأصلين , أما الحكومات على تعاقبها ، فكان دورها رمزيا جدا ، إن لم يكن غائبا بالتمام والكمال أحيانا ، في بعض فترات الحكم والنفوذ .
وما فتئت الهمة للحضور للكيطنة تتناقص , حتى أضحى الموسم مهجورا بامتياز .
حتى وصلنا الي هذا الوقت ، الذي تؤذن فيه الكيطنة بالتفتق , فلا يلتفت الي ربوعها الأخاذة المفيدة الا القليل من الرواد.
موريتانيا و في ولاية ادرار بوجه خاص , تتمتع بثروة واحاتية كبيرة , فيها ما فيها من الفوائد للسكان واقتصادهم ، وجدير بالأهالي و أصحاب الأمر ، الاهتمام اللائق بهذه الثروة حتي لا تنسى.
ومن طرائف حياة أهل الكيطنة ، أن البعض هجر الي الخارج او استقر بانواكشوط ، فلزمته أمراض مضعفة , فلما اتصل بخبراء الصحة ، طلبوا منه العودة الي الأماكن و الطبائع الاصلية .
فلما رجعوا الى أطار موطنهم الأصلي , رغم درجات الحرارة المرتفعة أحيانا , شفوا و صحوا .
فلكل ملة موسم ترفه ومعالجة , يقصدونه سنويا للراحة والشفاء , فيكون لهم تيسيرا لذهاب الهم واستواء النفسية و البدن .
ومن أشهر الثمار اليانعة في هذه الكيطنة , في مجمل وديان آدارار , ما يسمى الحمر و لمدينه و تجب , وغيرها من أنواع الثمار السوداء و الصفراء , وما بينهما من لون جذاب عجيب المذاق , مثل النخلة المسماة لخذير، التي تطيب ثمارها ، فلا هي وقت تمام الطيب والنضج ، صفراء ولا سوداء ، وإنما خذير بختصار .
سأل يوما النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه ، ماهي الشجرة التي تشبه المؤمن، فكلها خير ، فتبادر إلي عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، انها النخلة ، لكنه لم يفصح عن ما في صدره , فقال لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم هي النخلة .
و النخلة عندنا كلها مصدر نفع ، فالثمار تستهلك ، حاضرا ولاحقا بعد الحفظ ، وجريدها أو عسفها يستعمل في البناء و الأعرشة المختلفة الأنواع , وجذعها أي النخلة , يكون للتسقيف عند البناء .
وعلف ونواة التمرة تستعمل عند البعض في دواء السكري وغذاء الحيوانات وغير ذلك ، ولانعرف مكونا من النخيل الا له منفعة واضحة مفحمة .
ولا يحصل الامساك مع تناول التمور باذن الله ، ويناسب لحرارتها و سكرياتها أحاينا ، أن تتبع بما يطفئ تركزها و يعادل مفعولها , وعرفت العرب قديما غذاء كافيا ، الأسودين ، التمر والماء .
ورغم هذا مازال أطار عاصمة الواحات وسائر ادرار , مهملا متروكا للمجهول ، مع قلة المياه العذبة الصالحة للشرب و الري ، وصعوبة الصبر على هذه الاجواء لغير العارف بدروبها ومسالكها .
وفي فترة الكيطنة تنتشر ليلا حلقات السمر التي يغلب عليها مديح سيد المرسلين صلي الله عليه وسلم ، ولأهل الكيطنة ألعاب تقليدية , عرفت منذ القدم ، مثل السيك للنساء و ظامت للرجال ، وفي الفترات المعاصرة ، أصبحت الكيطنة فرصة لأصحاب المتاجر للبيع أكثر ، نظرا لتحسن إقبال المكيطنين، وفي المقابل لايمكن القول ، إن الكيطنة ، مازالت بنفس مستوى وتيرتها المزدحمة و المرتفعة ، المعروفة من قبل ، إلا أنها موجودة رغم الاهمال وعوامل التراجع المتضافرة ، وتقول الكيطنة على لسان العارفين بفوائدها ، ( سلم لى الا اعل الى ما يعرفنى).
وكل كيطنة و انتم بخير .