تحرك أُحادي مُثير، فولد عبد العزيز يحرِصُ على تمرير التعديل الدستوري عبر البرلمان فحسب،
وعن طريق كتيبة برلمانية قد لا تتردد كثيرًا في إجازة ذالك التغيير الذي تُعتَبَرُ شائبته الأولى أنه نوقِشَ في غياب فريق هام وأساسي من المُعارَضة الموريتانية.
وفي نفس السياق الزمني يَخرُجُ علينا ابن عمه يحظيه ولد مختار الحسّن، الذي اتُهِمَ من طرفِ كثيرين
وقتها على مستوى الحزب الجمهوري أيام معاوية بالتحايل على جزء مُعتَبر من ميزانية حملةٍ برلمانية جَرَتْ فترة ترأسه للحزب الحاكم، ورُبّما أثرى منها بشكلٍ لافت.
هذا الجمهوريُ السابق عَبرَ مُقدمات نظرية تجميلية، لن تقدِرَ على خداع الكثيرين، يَقتَرِحُ ضمنيًا التمديد لابن عمه إحدى عشر سنة.
ما أَجْرأكَ يا ولد مختار الحسّن على التاريخ والرأي العام، ربما دفعتكَ القبلية والطمع في بقاء أحدِ ذويكَ في ساحة النفوذ، لكن ألا تستحي.
وفي نفس المنوال الاجتماعي الضيق، وعبرَ قناة فوضوية تبحثُ عن الإقبال بأي ثمن، وفي أحد برامجها، دعا النائب السابق سيدِ ولد الداهي ـ وهو من نفس الأُسرة التي ينتمي إليها يحظيه وعزيزـ إلى التشبث بعروة النظام القائم، وقد رافقه في هذا البرنامج التلفزيوني مُسن آخر وسياسي حزبي واكبَ جميع الأنظمة، عبد الله السالم ولد أحمدو وا.
المُسِنانِ في جو حديثٍ قد لا يخلو من ملامحِ خرَفٍ وُمساندةٍ مفتوحةٍ للمُتغلب، إتفقا على الدعم المُطلق للنظام القائم، بينما ادعى ولد الداهي أن عزيز لم يُنهي مأمورية واحدة، بسبب صُراخِ المُعارضين وتحركاتهم المُناوئة المُكثفة في الداخل والخارج.
ومن المُنتَظَر أن يُكرسَ ولد عبد العزيز في الجلسات البرلمانية المُنتظَرة غدًا شكلية الديمقراطية الموريتانية وعبثيتها، بإقرار هذه التعديلات الدستورية المُثيرة دون الرجوعِ للجزء الواسع من المُعارضة الذي أشرنا إليه، ودون أن يحتاجَ إلى استفتاء شعبيٍ صادقٍ غيرُ موجّه، ثم لا يُستغربُ بعد ذلك الإقرار البرلماني المُرتقب إسقاط الحكومة الحالية على منحىً إلهائي أو ترقيعها، والأمرُ سيانٍ طبعًا، وربما الإعلان عن انتخابات بلدية وبرلمانية معروفة المآل والنتيجة غالبًا.
وفي هذه الأجواء قد يُمهَدُ للتحايل على التناوب على المقعد الرئاسي، إن حصلَ هذا التناوب فعلاً، أو تمييعه عن طريق مُرشّحٍ مُختار من طرف العسكر، لتكون مُشاركة المُعارضة الراديكالية غير المُستبعدة مجرد تزكية خرقاء، لا تُؤثرُ في النهاية على المُخطط الانقلابي المرسوم، الخاطف لإرادة الجميع، لكن قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
ما هذا، وإلى أين نسير؟.
الأمرُ لا يستحقُ كثير تفكير، إنه إخراجُ المُتغلب، المغرمِ أيام المُراهَقة، بالبطل السينمائي "ماسيس".
هذا المُتغلب الذي يحظى ظاهريًا بدعمِ المؤسسة العسكرية وبعض المدنيين، الذين باعوا كل شيء تقريبًا، مُقابل الحظوة أو طلبها على الأصح.
هل أضحتْ موريتانيا كرة قدمٍ مُتعَبة، يتقاذفها العسكر وأقاربُ وموالي المُتغلب دون بديلٍ ضامنٍ لمسارِ مُنقذ.
لا، لن تقتصرَ اللعبة على هذا الاحتقار المُهين، لحاضرِ وتاريخِ شعبٍ عريق بإذن الله.
فاللهُ ألطفُ بعباده على وجه اليقين.
اللهم يسِّر لهذا البلد المغلوب على أمرِه مخرجًا، دون أن نكونَ فاتنين ولا مفتونين، يا ربنا، يا أرحمَ الراحمين.
وربُّ الكعبة قد ادلهمّت الأوضاع، بتفشي التلاعب والاستحواذ والاستبداد المُشين المُقزز.
إنّ البرلمان الحالي بالمُقارنة مع الطبعة السابقة يخضَعُ لمستوىً كبيرٍ من الاستسلام والركود، على وقعِ تراجع أداء المعارضة الراديكالية في الغُرفتين، ويُستبعدُ أن يستحي أغلبُ هذا البرلمان من التعديل المُقترح، رغم أنه يتضمنُ بالنسبة لمجلس الشيوخ حلّ نفسه، إلا أنّ هؤلاء سيوافقون على حلِّ أنفسهم بأنفُسهم، وربما لو عُرضَ عليهم التوقيعُ على أكثر من ذلك لفعلوا، دون ترددٍ للأسف البالغ.
إنه أشرفُ لهؤلاء النوّاب التحجُجُ بأي أسلوب للتغيب عن هذه الإجازة الأُحادية الضيقة للتعديلات الدستورية المُقتَرَحة، إن لم تُلحَق بها تعديلات أُخرى أكثرَ إثارةً للجدلِ والشِقاق.
التلاعب بالدستور وسهولة تغييره مؤشر لضعف الشعب والدولة والرأي العام المُعارض وهو بهذا الأُسلوب الأُحادي الشكلي استهتار بالجميع واقتناص غيرُ أخلاقي لحالة الضعفِ هذه، وكان من اللائقِ والأحزمِ أن لا يتم أيُّ تغيير دستوري، إلا تحتَ مِظلة سلطة مدنية مُنتخبة بطريقة مُريحة، إن لم تكُنْ شفافة، وبعيدًا عن توجيهِ الانقلابيين العسكر ومؤيديهم المُتساهلين.
إنّ هذا التغيير الدستوري المُرتقب، غيرُ مأمونٍ، وسيمسُّ من رموز وطنية حسّاسة، من الأفضلِ أن لا تكونَ عُرضَةً للتغييرِ السهل وسطَ جوٍ، أُكررها غيرُ مأمون وغيرُ مُتوازن إطلاقًا.
وفي هذا السيّاق يأتي مُقترَحُهُم لإجراء تغيير على العَلَم الوطني والنشيد الوطني التاريخي، الرفيعِ السبكِ والمضمون.
إنّ إضافة اللونِ الأحمر لعلمنا الوطني، بحجة الإشادة بالمقاومة الوطنية مُراوَغة، وما أجملَ علمنا الوطني الحالي قبلَ هذه المُراوَغة الوشيكة، التي باتَتْ للأسف في حُكمِ المُؤكدِ الراجح، حسبَ المُعطيات السياسية الراهنة، وموعد انطلاق مُناقشة المُقترحات الدستورية، في ظل الدورة البرلمانية الطارئة، غدًا الأربعاء الموافق 22 فبراير 2017.
ونرجو من صميم القلبِ أن يعيَ البرلمانيون خطورة وجسامة مسؤوليتهم في نيابة هذا الشعب المسكين قبل أن يوقِّعوا على ما لا تُحمدُ عُقباه، لأنه يرمزُ لمرحلة إضعاف الدولة ومُحاصرة خياراتها وسهولة العبثِ بدستورها، في فترة مهزوزةٍ مشوبةٍ من كل وجه تقريبًا، على رأي البعض.
معشرَ النُوّاب الموالين لولد عبد العزيز نحترِمُكم ولا نحتقركم إطلاقًا، ولكن احذروا أمانة الله الموكولة إليكم عبر تمثيل هذا الشعب، فالتاريخ يُعرَضُ مرّتين، هنا في الدنيا وهناك في الآخرة، يوم لا ينفعُ مال ولا بنون إلاّ من أتى الله يقلبٍ سليم.
إن الرئيس المؤسس رحمه الله المختار ولد داداه، تركَ لهذا الشعبِ الكريم الغالي نشيدًا وطنيًا جميلاً مُعبّرًا عن هويته الإسلامية العريقة المُقدّسَة، كما تركَ لنا علمًا جميلاً أخّاذا، يرمز للروعة والهدوء والجمال والعبقرية، فلا تشوبوا علمنا ونشيدنا، بهذه التلاعُبات المُثيرة للشفقة، على حاضر ومستقبل هذا الوطن المُهدد، والتي جانبها سائرُ من حكموا موريتانيا ما قبل ولد عبد العزيز، الذي يسعى لتركِ بصمته على الوطن برمته، ولو عن طريق نشيد وطني جديد وعَلمٍ مُعدل.
أما أحلامُ ولد مختار الحسّن وغيره من الصامتين على طموحاتٍ شاذة، فإني جازم بإذن الله أنها لن تجدَ مجالها لتكريس هذا الوطنِ الغالي ساحة لمأموريات مفتوحة وغلَبةٍ دائمة لا يملكونَ آلياتها، كما أنّ هذا الحُكم العسكري الانقلابي إلى زوالٍ قريبٍ بإذن الله، حسبَ مؤشرات الحالة الإقليمية، التي باتتْ تُحاصِرُ المُستبدين في أغلبِ الزوايا وأحرجها، حيثُ أضحى حُكمُهم ضعيفًا هشًا سيسقطُ بإذن الله، عند أول هزة واختبار.
ولتسهر أجنحة الجيش غير الانقلابية على السلام والاستقرار والسلم الأهلي، فلا خيرَ في الانقلابات والفِتن والتحرُّكاتْ غير المأمونة، والأسلمُ أن نصبِرَ ونتئد، فربما الضغط الإعلامي والسياسي السلمي المُتصاعد الموزون، أدعى للخروج بأمانٍ وحكمة من هذا النفق المُظلم المقلِق.
ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعد.