تابعت وإن بأخرة المقابلة التي أجرتها قناة الوطنية مع رئيس حزب نداء الوطن
السيد داوود ولد أحمد عيشة ، بالتأكيد هاجت وسائل التواصل الاجتماعي وماجت بردات فعل متضاربة تضارب مواقف أصحابها من الرجل.. أغلبها يتكئ على تصورات مسبقة سما به بعضها إلى فلك المصلحين والقادة العظماء وهبط به آخرون إلى درك مغاير وسحيق.. وهذا أمر طبيعي ومتوقع بشكل عام فيما يتعلق برؤى وتصورات الرأي العام من الأحزاب والشخصيات العامة
سأجل هنا ملاحظات عابرة كما ذكرت سلفا محاولا الابتعاد عن مخدر يغمط الأمور ويراها بعيون ضبابية أو منبه يعطي الأعصاب نشاطا زائدا لكنه في نهاية المطاف مزيف وغير دقيق .قد ينشرح البعض صدرا لما أقول وقد يضيق صدره به لكن ما أجزم به أنه قناعتي ..
لقد كان ولد أحمد عيشة محنكا في تعاطيه مع الإعلاميين في المقابلة مقتدرا على السيطرة على البوصلة التي يوجهها وفق ما يريد وما يخدم فكرته وتصره، ويناسب طرحه كما كان منسابا في حديثه مما يشجعك على متابعته باركت طرحه أو لعنته مع طرافة و" تكراح" ترطب الجو السياسي الجاف وهذه محمدة لقلة من المتحدثين الساسة في بلدنا .فهو مقارنة مع بعض القادة السياسيين عندنا متحدث جيد ويجيد استغلال الوقت لعرض تصوراته والتحايل على الأسئلة التي لا يريد الإجابة عليها أو استغلالها لغرض معين.
لا أجد غضاضة في القول إنه بالنسبة لي كان موفقا بالنسبة لي عندما:
1 تحدث عن ضرورة ترسيخ اللغة العربية في البلد وتنزيل اعتبارها اللغة الرسمية على أرض الواقع لافي سطر من الدستور علمه من علمها وجهله من جهله. فلا بد للدولة من لغة إدارية وعلمية موحدة مع احترام تعدد اللهجات أو حتى اللغات في بعض الدول.. ويزداد ألأمر تأكيدا حينما يكون البلد مسلما مئة في المئة واللغة الرسمية هي اللغة العربية لغة القرءان الكريم
وهنا ليس من الأخلاقي ولا من السيادة أن يتحدث البعض بلغة غير لغة البلد الرسمية أو لهجاته في أعلى هيئات تشريعية في البلاد.. فمن المفترض أن يتحدث المتحدثون بالعربية أو باللهجات المحلية مع وجود مترجمين أما الاستعانة بلغة أخرى فهو نكسة غير محمودة .. وقد يكون البرلمان الموريتاني البرلمان العربي الوحيد الذي يتم فيه التخاطب بلغة لا علاقة لها بالبلد وقل الشيء ذاته في الخطابات الرسمية
نعم من الطبيعي بل من الضروري تعلم وتعليم اللغات الأخرى والاستفادة منها .. لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب الهوية
2-تحدث عن ضرورة أن تكون دولة المواطنة للجميع وعليها مسؤولية إعطاء المواطنين حقوقهم كاملة غير منقوصة بغض النظر عن ألوانهم وأعراقهم وأحجامهم وضعفهم وقوتهم .. وفي هذا السياق ليس من المفهوم أن تحمل الدولة مسؤولية ما حدث قبل ميلادها ولا أن تدفع الأجيال الحالية ثمن أخطاء أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. كما أنه من غير الوارد أن يكون السباب والشتم والشعار العنصري سلاحا في يد من يتفق الجميع أنهم كانوا ذات صيف زمني في وضع غير مقبول.. ولا أن يكون التنقيص من مكون معين وسيلة أو أداة لنيل الحقوق أو المطالب. فمحاربة العنصرية لا لون لها فليس لون محصن ضد التطاول ، ولون آخر لا يعتبر التطاول عليه جريمة أو خرقا للقوانين .على الجميع أن يصطف لينال الجميع حقوقهم كاملة بالطرق القانونية المناسبة.
أختلف معه تماما عندما:
قال إنه لم يبرح خطابه قيد أنملة وأنه سيرد على من سيتطاول على شريحة معية بنفس الأسلوب بل وأكثر من ذلك بعد التصريح الرسمي للحزب قد يتطور الأمر إلى أفعال.. علما أن الدولة هي وحدها من يحتكر القوة وهذه في نظري سقطة من سياسي يقود حزبا "وطنيا" فكيف لمن يطالب بدولة القانون والمواطنة أن يعلن أنه قد يتصرف تصرفا غير قانوني حتى ولو كان ردة فعل.. كان الأجدر بالسيد ولد أحمد عيشة أن يقول في هذا السياق سنعمل على ترسيخ مفهوم المواطنة وتطبيق القوانين وفي حالة تطبيق القوانين المجرمة للعنصرية وكل من شأنه أن يثير الفتنة أو الأحقاد لن يحتاج الحزب إلى التدخل بالقوة أو رد التطاول بمثله أو أسوأ منه .أما الحديث عن العنف في إطار حوار سياسي فغير مستساغ ولا مقبول. ويتنزل في هذا الصدد حديثه عن قوله إنه لو كان حاضرا لافتتاح الحوار لسحب الميكرفون من أحد المتحدثين .. فهو يعلم أن هذا التصرف إن حدث لن يزيد الطين إلا بلة والأجواء إلا تأزما وليس من منهج السياسيين البتة.
2تحدث عن لهجة معينة بطريقة غير مناسبة واعتبرها لا تصلح لأن تكون لغة ... كان بإمكانه أن يتجنب هذا الكلام المثير الذي قد يوحي بأبعاد عنصرية ..فعلى أيه حال لهذا الشعب لهجات متعددة ومن حق ذويها أن يتحدثوا بها وهذا ليس منة من أحد فتلك طبيعة اختلاف الألوان والألسن وفي ذلك آيات للعالمين. لكن تبقى اللغة الرسمية مهيمنة على الجميع في الإدارات والمؤسسات التعليمية والعلمية. كما تحدث عن مكون اجتماعي آخر باعتباره فرنكفونيا يهمن على بعض مفاصل الدولة بطريقة غير لبقة من وجهة نظري
3-قال بضرورة تغيير العلم والنشيد .. فتغيير هذين الرمزين في هذه الظرفية التي تتسم بعدم الإجماع الوطني لن يكون له طعم ولا نكهة كبيرة..وسينظر إليه على أنه انتصار لفريق سياسي حاكم على آخر، وهذه وحدها تكفي لتأجيل الحديث في الموضوع.. زد على ذلك أنه يفتح الباب على مصراعيه أمام العبث واللعب بالرموز فيغيرها كل من أراد وقت ما يحلو له وقد تتطور الأمور إن استمر الحبل على الغارب لنقش صورة الزعيم في العلم أو شعاره أو الثناء والتغني بخصاله في النشيد الوطني.. من يدري؟
كما يعلم السيد ولد أحمد عيشة وكما صرح هو يعاني البد من أزمات متعددة نحن في أمس الحاجة للبحث عن حلول لها وعن معالجة حقيقية لها ..وليس منها أبدا ولا في طليعتها لون العلم ولا مفردات النشيد. وقد نكرم المقاومة-وهذا واجب ديني ووطني- بطرق مختلفة دون أن نطبع خطا أحمر غير متفق عليه .. والمشكل أن هناك من ضحوا بنفوسهم تحت هذا العلم وليس من الإنصاف تجاهلهم وإدارة الظهر لهم .فضلا عما سيكلفه ذلك التغيير من ميزانية ضخمة والبلد يعاني أزمات خانقة تعصف بالمواطن .وتتطلب صرف تلك المبالغ للخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن يوميا
علما أن أمر العلم والنشيد في نهاية المطاف أمر دنيوي بحت واجتهاد بشري لا ندعي له القداسة ولا يمكن تحويله أو تحويره إلى خلاف أو مأزق ديني
محمد محمود ابو المعالي