
إن ما تفضل به، الأستاذ المحامي السالك اباه، بيان استقلالٍ ثانٍ يتردد صداه في الذاكرة الجمعية الموريتانية. فتعريب الإدارة في "بلاد المنارة والرباط" فعلُ تحررٍ حقيقي، يكسر القيود التي كبلت العقل الموريتاني لعقود خلف أسوار لغةٍ وافدة، غريبة عن الوجدان والأرض.
إن اللغة العربية في موريتانيا هي الشفرة الوراثية الجامعة بين ضفاف النهر ورمال الصحراء، وضرورة وجودية تختزل معاني الانتماء والسيادة والتنمية؛ فالأمم التي تتخذ لغتها الوطنية وعاءً لقرارها، تؤسس لحاضرها بثقة، وتُشيّد مستقبلها بكرامة. إنه تصالحٌ تاريخي بين المؤسسة الرسمية ووجدان الشعب الذي رأى في لغته دوماً هويته الجامعة وملاذه الآمن.
نحن اليوم أمام مسار يفرض نفسه بمنطق التاريخ؛ فتمكين العربية في مفاصل الإدارة استكمالٌ لمشروع الاستقلال الوطني. نثمن جهود حماة الضاد، إدراكاً منهم أن الحرف العربي في الأوراق الرسمية توقيعٌ على كرامة المواطن، وضمانةٌ لشفافية التواصل بين الحاكم والمحكوم. وكل خطوة في هذا الطريق هي انتصارٌ للذات الموريتانية، وقطعٌ مع تبعيةٍ طال أمدها.
وفي وجه التحديات الراهنة، يبرز التعريب كطوق نجاة يحمي النسيج الاجتماعي من رياح التغريب، وهو المظلة الوطنية التي تقي الوطن شرور الاحتراب الرمزي الممهد للتمزق. لقد كانت العربية –وستبقى– الرابطة التي صهرت المكونات كافة في بوتقة واحدة، والقادرة على قيادة التحديث دون انفصال عن الجذور.
إن المعركة الدائرة في دهاليز الإدارة اختبارٌ لإرادة البقاء، في ظل ممانعة تيارات تخشى فقدان هيمنتها الثقافية. ومع ذلك، تظل شعلة التعريب متقدة، تحملها أجيال تؤمن بأن لغتها حصنها الأخير. رهاننا اليوم واحد: أن نثبت وجودنا بلساننا الفصيح، ونحمي كياننا من الذوبان؛ فباللغة نكون، وبها نستعيد الريادة.
محمد علوش القلقمي
