الإصلاح الإداري: المعيار قبل الأسماء

في لحظات الإصلاح، لا يكون التحدي في استبدال الأسماء بقدر ما يكون في تصحيح المنهج. فالتجربة المتراكمة تبقى قيمة حقيقية في أي بناء مؤسسي، لكنها تفقد معناها حين تتحوّل إلى احتكار للمواقع، فتغدو الخبرة، بدل أن تكون رافعة للتجديد، عبئًا يقيّد الحركة ويُعطّل التداول الطبيعي للكفاءات. وفي المقابل، فإن الرهان على الجديد لا يستقيم لمجرد كونه جديدًا، ما لم يكن مقرونًا بالتأهيل والتمرس والقدرة على الفهم والتنفيذ، وتحمل المسؤولية بوعي وجدارة.

الإصلاح، في جوهره، ليس صراعًا بين «القديم» و«الجديد»، بل اختبارًا لقدرة الدولة على ترسيخ معيار عادل ينظم العلاقة بينهما. وهذا بالضبط ما يسعى إليه التوجه العام للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني: تثبيت المعيار، تغليب الكفاءة، وبناء إدارة تخدم الاستقرار بقدر ما تفتح الأفق أمام التجديد. فالإدارة لا تُصلح بالمجاملة، ولا تستقيم بالمحاصصة، ولا تُبنى على منطق التوازنات الظرفية، وإنما تقوم على ميزان أدق: كفاءة توضع حيث ينبغي، وخبرة تُستدعى حين تُحتاج، وتكافؤ فرص يُعتمد قاعدة لا استثناء.

بهذا الفهم، يصبح الإصلاح الإداري مسارًا هادئًا لكنه حاسم: تُصان فيه المؤسسات من الجمود كما من الارتجال، ويغدو التداول تجديدًا لا قطيعة، واستمراريةً لا احتكارًا. فحين ينتصر المعيار، تستعيد الإدارة معناها، ويصبح التغيير أداة بناء لا مجرد عنوان.

محمد لحظانه