الإرث الإنساني في موريتانيا: نداء الواجب بين طيات الماضي وضرورة الشفافية

لطالما كان ملف "الإرث الإنساني" يمثل جرحاً غائراً في الذاكرة الوطنية الموريتانية، إرثاً مُعقداً يحمل بصمات الدولة ككيان، لا كأفراد أو مكونات إثنية. إن ما حدث، كان تحت مظلة الدولة الموريتانية، ومبادرات التسوية التي عُقدت سابقاً، بما فيها اعتذار نظام المغفور له بإذن الله الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، جرت باسم هذه الدولة التي هي كيان مستمر لا يزول بزوال الأشخاص.
الحكومة الحالية، في خضم ما أعلنته من جهود لمكافحة الفساد، أعلنت أنه تم إنشاء لجنة منذ ثلاث سنوات لمعالجة هذا الملف بشكل نهائي. وهذا الإعلان يضع على عاتقها مسؤولية استمرارية الدولة ومحاسبة الماضي التي لا تقبل المساومة. فبقدر ما نرحب بهذه الخطوة، فإننا نؤكد أن الحل النهائي لا يمكن أن يُبنى على الإخفاء أو التعتيم. إننا نطالب النظام الحاكم، وفي ظل الاحتراب المعلن للفساد، باتخاذ خطوات جريئة تضمن الشفافية والمساءلة، وهي مطالب ليست ترفاً، بل هي حق لكل مواطن:
النشر الفوري والكامل للتسويات السابقة: لا يجوز أن يظل الإرث الإنساني سراً. نطالب بنشر جميع وثائق التسويات المالية والإجرائية السابقة أمام الرأي العام الوطني والدولي. كيف يمكن تقييم فعالية التسوية القادمة دون الإطلاع على الأساس الذي فشل سابقاً؟
استرجاع المال العام المنهوب: يجب أن تشمل مهمة اللجنة الجديدة التدقيق المالي الشامل في التسويات القديمة. لا بد من استرداد كل أوقية أُنفقت من المال العام في تسويات "لم تُرضِ أحداً ولم تُغلق الملف"، لضمان عدم تكرار هدر الموارد تحت أي ذريعة.
إن الموريتانيين لن يباركوا أي تسوية جديدة إلا إذا كانت خطوة نحو تسوية تاريخية شفافة تُعقد "على مرأى ومسمع وشهادة الجميع". يجب أن تكون عملية المعالجة شفافة تماماً، وبمشاركة فعلية من ممثلي المتضررين والمجتمع المدني، لترسيخ مفهوم العدالة الانتقالية الحقيقية.
إضافة إلى ذلك، فإن الحديث عن "إغلاق نهائي" وشامل لملف الإرث الإنساني لا يكتمل دون الالتفات إلى دماء الوطن وحقوقنا في السنغال: ملف لم يُغلق بعد. نطالب بفتح ملف الإرث الإنساني للموريتانيين الذين قُتلوا بدم بارد في السنغال، والمطالبة بـاسترداد الأموال والممتلكات التي نُهبت بمشاركة وتواطؤ من الدولة السنغالية. لا يجب أن تخضع هذه الجرائم للتقادم. إن استرداد كرامة المواطن الموريتاني لا تكتمل دون محاسبة كل من تورط في سفك دمائه ونهب أمواله، سواء كان داخلياً أو خارجياً.
إن معالجة هذا الملف يجب أن تكون نموذجاً للحكم الرشيد، لا مجرد صفقة سياسية. لقد آن الأوان لتسترد الدولة هيبتها، ولينال المتضررون حقهم، وليرى الشعب أين تذهب أمواله. فهل ستكون هذه اللجنة جسراً للعدالة، أم ستاراً لحقبة جديدة من الغموض؟!
محمد علوش القلقمي