
السيد رئيس المحكمة
السادة قضاة محكمة العدل الدولية
السادة الحضور
أتقدّم باسم الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالشكر للمحكمة على إتاحة الفرصة لنا لعرض موقف دولتنا وبيان معالمه التاريخية والقانونية بشأن الإقليم المعروف بالصحراء الغربية.
إن تقديمنا لن يخرج عن خريطة الأدلة التاريخية والاجتماعية والقانونية التي تضع الأمور فى نصابها الصحيح أمام هذه المحكمة الموقرة.
أودّ أن أركّز فى عرضنا على نقطتين محوريّتين:
أولاً — أن الإقليم لم يكن «terra nullius» عند وقوع الاستعمار الإسباني ؛
إنّ فكرة وصف الإقليم بأنه «أرضٌ فارغة» أو «بدون أهل» تتناقض مع الوقائع التاريخية والاجتماعية، فقد عاش فى الإقليم مجموعات بشرية منتظمة — قبائل رعوية متنقلة — كانت تجمعها علاقات اجتماعية واقتصادية ودينية وثيقة عبر الفضاء الصحراوي، وتربطها عرى سياسية واجتماعية مع محيطها الإقليمي، و هذه الروابط لا يمكن أن تُمحى بسذاجة عبر وصف المنطقة بأنها خالية من الارتباطات الإنسانية.
إنّ المواد التاريخية والوثائق التي أُحيلت إلى المحكمة تُثبت وجود تنظيمات اجتماعية مؤسَّسة، وعلاقات شخصية (ولاءات وشبكات تبعيّة) تربط بين بعض فئات السكان وسلاطين أو قوى إقليمية في مراحل معيّنة من التاريخ. ومن ثمّ، فإن مبدأ عدم اعتبار الإقليم terra nullius يَحظى بتأييد المواد التي أمام المحكمة.
ثانياً — الطبيعة والحدود القانونية للعلاقات التاريخية
إنّ ثبوت وجود روابط أو ولاءات شخصية أو دينية لا يعني بالضرورة أن تلك الروابط تشكّل سندًا لسيادة إقليمية مطلقة أو لحق ضمّ تُطبَع عليه صفة الدولة.
وعلى المحكمة أن تميّز بين:
1. الروابط الشخصية/الولاءات (allegiance) التي قد تكون شخصية أو طائفية أو دينية؛
2. مفهوم السيادة الإقليمية الذي يستلزم امتلاك عناصر الدولة (إدارة فعّالة، قانونية إقليمية خاضعة لسلطة دولة محددة، تمثيل دولي معترف به، إلخ).
إن المواد المُقدمة تُظهر أن بعض القبائل في لحظات تاريخية كانت تُظهر ولاءً شخصياً لأشخاص أو مؤسسات سياسية مجاورة، لكن هذا لا يثبت وجود سيادة إقليمية متصلة ومستقرة تعلو على حق الشعوب في تقرير مصيرها.
ثالثًا — التوازن بين التاريخ وحق تقرير المصير
نحن في موريتانيا نؤمن أن التاريخ مهمّ لفهم الروابط والصلات، وأن هذه المحكمة مطالَبة بإعطاء التاريخ حجمه من دون أن يُلغى أمامه حق الشعب المعاصر في الحرية وتقرير المصير. إنّ تطبيق مبادئ القانون الدولي، وبالذات مبدأ تقرير المصير للشعوب الخاضعة للوصاية أو للانتداب، يفرض أن تكون الإرادة الحرة والموضوعية للسكان المحليين العنصر الذي يقرّر مستقبل الإقليم.
خلاصـة الطلبات (ما نطالِب به من المحكمة)
1. أن تعترف المحكمة بعدم مطابقة وصف الصحراء الغربية بأنه «terra nullius» للوقائع التاريخية، وأن تؤخذ تلك الحيثيات بعين الاعتبار في التحليل القانوني.
2. أن تبيّن المحكمة أنّ وجود روابط تاريخية أو ولاءات شخصية لا يكفي وحده ليفسخ مبدأ تطبيق حق تقرير المصير المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ذات الصلة.
3. أن تؤكد المحكمة على أن الطريقة السليمة والشرعية لتقرير وضع الإقليم هي إجراء يمكّن سكان الإقليم من التعبير الحرّ عن إرادتهم، بمنأى عن إجراءات أحادية تُلغي مبدأ الاستشارة الحرة.
السادة القضاة، إنّ معالجة قضايا ما بعد الاستعمار تتطلّب من القضاء الدولي حكمةً تُوازن بين القراءة الدقيقة للتاريخ واحترام المبادئ الأساسية للقانون الدولي المعاصر.
إنّ موريتانيا تثق في حكمتكم القانونية ونزاهتكم، وتترقّب أن تساهم آراؤكم في وضع حلّ قانوني منصف يراعي كرامة الشعوب ويضمن الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء.
