في ذكرى رحيل الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد

تمرّ علينا ذكرى رحيل الرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، فنقف إجلالًا لرجُلٍ كان نزيهًا، صادقًا، هادئًا، عفيف اللسان، مستقيم السلوك، عاش لموريتانيا وخدمها بقلب نظيف وعقل راجح وضمير حي. رجل من طينة الكبار: موطأ الأكناف، يحترم مخاطبه، يستمع بتركيز، يتجنب المبالغة، ويكره الكذب وأهله. لقاءه يزيدك احترامًا له، ومعرفته ترفع من منزلته.

آمن بأن موريتانيا وطن يتّسع لجميع أبنائها دون تمييز، ففتح باب العودة للذين أبعدهم ظلم السلطان، ودشّن مسارًا تصالحيًا وطنيًا اعتذر فيه باسم الدولة عن مظالم الماضي، ودفع بقانون تجريم الاسترقاق، ونظر إلى السلطة لا كغنيمة تُقسّم، بل كعبء تُشارك مسؤولياته. كان في السياسة ديمقراطيًا بلا تكلّف، يرى في المعارضة شريكًا لا خصمًا، فكسر جدار القطيعة بين النخب، وصار التشاور في عهده سنة لا استثناء.

لم يكن خطيب شعارات، بل رجل حقيقة؛ وحين اشتدت الظروف الاقتصادية، لم يموّه الحقائق ولم يتغنَّ بأرقام زائفة، بل واجه شعبه بالصدق والشجاعة. رفض أن تُختطف الدولة لصالح شبكات المال والقبيلة، فوقف بثبات أمام الانقلاب العسكري، ووضع نهاية لمسار طويل من الانقلابات، قبل أن يغادر شامخًا، زاهدًا، نقيًا، لا متشبثًا بالكرسي ولا منافسًا على السلطة.

ويوم وداعه، نطق بكلمات ستظل شاهدة على صفاء قلبه:
«لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم… سأخرج كما دخلت سليم القلب، لا أضمر حقدًا لأي موريتاني، وأتمنى للجميع كل الخير.»

لقد كان لي شرف أن أعمل في عهده، خلال فترة قصيرة كمدير عام لإحدى المؤسسات العمومية، كما كنت قريبًا من أسرته، ويمكنني أن أشهد – للتاريخ وأمام الله – على ما يلي:
- كان صارمًا في محاربة الفساد، لا يساوم في المال العام ولا يغضّ الطرف.
- رفض أن يستغل أحد اسمَه أو مكانته لتحقيق مصالح خاصة.
- لم يكن يتخذ قرارًا إلا بعد جمع كل المعطيات، بتعقّل وروية ومسؤولية.
وعلى الصعيد الأسري، فقد ترك وراءه إرثًا أخلاقيًا محفوظًا في أبنائه ، بفضل تربية استثنائية شاركت فيها زوجته الفاضلة السيدة الأولى خَتّو منت البُخاري التي كانت سندًا له في حياته ومشروعه. هذه الأسرة اليوم تحمل إرث الرجل في الصدق، والنزاهة، والثبات على المبادئ… وأشهد أنني أعرف ما أقول، وسأعود يومًا لتفصيل هذه الشهادة حقّ بيان، تأريخًا لا مجاملة.

رحم الله رجل الدولة الذي صان المال العام، وجعل الأخلاق قبل السلطة، والوطن قبل الكرسي، والشعب قبل العنوان والمصالح.

رحم الله سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، يوم ولد، ويوم انتُخب، ويوم ظُلِم وغُدر به، ويوم رحل، ويوم يبعث حيًا.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، وارفع مقامه، واجزه عن موريتانيا وأهلها خير الجزاء.

انواكشوط 23 نوفمبر 2025

احمد خطري