
أصدر الرئيس السابق للمجلس الأعلى للفتوى والمظالم، الشيخ أحمد الحسن الشيخ محمدو حامد توضيحًا ردّ فيه على مقطع متداول لرئيس مركز تكوين العلماء الشيخ محمد الحسن ولد الددو، يتحدث عن “ست نكبات أصابت الأمة”، مستنكرًا ما ورد فيه من القول إن النبي صلى الله عليه وسلم “لم يكتب دستورًا للأمة ولم يبين طريقة اختيار الحاكم”.
وأوضح أن القرآن والسنة يمثلان الدستور الكامل الذي تركه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، وأن أحكام الشورى، وصفات الحاكم، وطاعة ولاة الأمور، ومبادئ العزل والمحاسبة، كلها مبينة في النصوص الشرعية.
كما نفى أن تكون الردة التي وقعت بعد وفاة النبي مرتبطة بما ورد في المقطع، مؤكدًا ضرورة تجنب العبارات الموهمة في القضايا المتعلقة بالجناب النبوي.
وهذا نص الرد كما حصلت عليه الحسانية:
بسم الله الرحمن الرحمن
وصلى الله على نبيه الكريم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:فقد أشكل علينا كلام سمعناه من بعض الإخوة وهو يتحدث عن ست نكبات قال: إنها أصيبت بها هذه الأمة فقال في إحدى نسخ هذا المقطع:
النكبة الأولى: وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكتب لنا دستورا، ولم يبين لنا طريقة اختيار الحاكم وعزله ومحاسبته ولم يعين لنا حاكما معينا، فكانت أزمة ارتد بسببها جمهور المسلمين.
الإشكال الأول:أنه أشكل علينا قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ولم يكتب لنا دستورا. فما الدستور الذي لم يكتبه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن بلغ إلى أمته جميع ما أمر بتبليغه، وبين لهم جميع ما أمر ببيانه ولم يبق أمر فيه صلاح دنياهم وأخراهم إلا دلهم عليه. فكان القرءان مبينا بالسنة هو الدستور الكامل الشامل؟.
فماذا بعد قوله تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
وقوله تعالى:{ونزلنا عليك الكتب تبينا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}.
وقوله تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
وقوله تعالى:{وما أنزلنا عليك الكتب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}.
وقوله تعالى:{ما فرطنا في الكتب من شيء}.
وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه:(وقد تركت فيكم ما لن تضلو إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت.. وقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد اللهم اشهد.. ثلاث مرات.
أخرجه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: كما أخرجه مالك في الموطأ بلاغا:
(تركت فيكم أمرين لن تضلو ماتمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه)
قال أبو عمر : روي مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وحديث عمرو بن عوف المزني.
الاشكال الثاني: أنه أشكل علينا قوله:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي "ولم يبين لنا طريقة اختيار الحاكم وعزله ومحاسبته"
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ جميع ما أمر بتبليغه, وبين جميع ما أمر ببيانه,ولم يبق شيء فيه صلاح الأمة إلا دلهم عليه، وقد بينا ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة.
نعم لقد بين جميع ذلك لكن بالكيفية التي بين بها جميع احكام الشريعة إما بذكرها مصرحا بها وإما بدخولها تحت أصول وقواعد عامة مذكورة ومصرح بها، إذ لا مسألة إلا ولله فيها حكم. فكانت الكيفية التي بين بها رسول الله صلى الله عليه وسلم احكام الشريعة هي سر بقائها وسبب مرونتها، وصلاحها لكل مكان وزمان.
وسنذكر من هذا الباب على سبيل المثال لا الحصر مسائل منها:
اولا: طريقة الشورى من جماعة الحل والعقد لاختيار الحاكم وقد جاء ذكر هذه الطريقة ووصف هذه الجماعة في قوله تعالى: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلوٰة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقنهم ينفقون).
ثانيا: صفات الخليفة من هداية ورشد، فقد وردت في قوله صلى الله عليه وسلم (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضو عليها بالنواجذ) أخرجه أبو داود والترمذي واللفظ هنا لأبي داوود.
ولو قلنا: يشترط في الخليفة أن يكون عدلا مرضيا وهما وصفان يتفقان في المعنى مع الوصفين السابقين المذكورين لصح ذلك بالقياس على الشاهد الموصوف بقوله تعالى(وأشهدوا ذوي عدل منكم)وقوله تعالى (ممن ترضون من الشهداء) بجامع أن الشهادة والخلافة منصنبان شرعيان من أهم المناصب الشرعية.
ثالثا: وجوب طاعة الحكام في المعروف، وعدم جواز عزلهم ما أقاموا الصلاة؛ أو حتى نرى كفرا بواحا ؛وإنكار ما يعملون من منكر حسب الاستطاعة التي أدناها الإنكار بالقلب.
فعن عبادة بن الصامت رضي اللّه عنه قال: دعانا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله. قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان.
وفي رواية وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لانخاف في الله لومة لائم. أخرجه مسلم
وعن عوف ابن مالك الاشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
خيار ائمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار ائمتكم الذين تكرهونهم ويكرهونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قالوا قلنا: يارسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة. ألا من ولي عليه وال فرءاه يأتي من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولاينزعن يدا من طاعة. أخرجه مسلم.
وعن ام سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع. قالوا: أفلا نقاتلهم قال : لا ماصلوا.
تلك مسائل ذكرناها على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر وردت منصوصا عليها تتعلق بأهم طريقة لاختيار الحاكم وهي الشورى وتتعلق ببعض احكام العزل وبالإنكار وهو في معنى المحاسبة.
ونرى أن نسبة عدم البيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة تتعلق بالأحكام الشرعية كان التعبير بعبارة غيرها تفيد عدم الإطلاع أنسب منها. فقد أمرنا أن نتوقى الألفاظ الموهمة. قال تعالى: (يأيها الذين ءامنو لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا)
وخلاصة القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك لأمته أكمل وأحسن دستور كتاب الله وسنة نبيه وهدْي أصحابه الذين سمعوا وشاهدوا ووعوا العمل بهذا الكتاب وهذه السنة،
ولذلك اختاروا حكامهم بكل يسر وسهولة وسلاسة، فكان اختيار أبي بكر اختيارا سلسا سريعا موفقا، وكذلك كان اختيار عمر واختيار عثمان واختيار علي رضي الله عنهم. ولم يختاروا إلا عملا بهذا الدستور الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على أساس دستور ءاخر لم يكتب.
وإذا كانت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة هزت المسلمين فإنها لم تترك أزمة دستورية لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعوا الأمر وفزعوا فورا إلى الاعتصام والتمسك بالكتاب والسنة.
الإشكال الثالث: أنه أشكل علينا قوله بعد ذكره عدم كتابة رسول الله صلى الله عليه وسلم للدستور وعدم بيانه طريقة اختيار الحاكم وعزله ومحاسبته. حسب رأيه " فكانت أزمة ارتد بسببها جمهور المسلمين" فما علاقة الردة بعدم كتابته صلى الله عليه وسلم للدستور وعدم بيانه طريقة اختيار الحاكم وعزله ومحاسبته.
تلك استشكالات سقناها، لانسيء ظنا، مع أننا لا ننسى عظم الموضوع، ولا نريد قدحا ولانقصد إساءة ولكن نرى أن مراعاة حرمة الجناب النبوي توجب علينا هذا الاستشكال وأن نقف هذا الموقف.
ونسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سبيل الهدى وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وءاله وصحبه والتابعين لهم بإحسان
وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أحمد الحسن الشيخ محمدو حامد
