
أشياء كثيرة في الحياة تستعصي علي الفهم أحيانا
و أحداث جمة داخل المشهد الوطني نقف حيالها تارة حائرين مرتبكين لا نجد لها تفسيرا أو تعليلا منطقيا
هذا هو حالنا و حال نخبنا الوطنية السياسية و الثقافية الحقوقية و غيرها .
كلما كان الواقع زاخرا بالمتناقضات و المفارقات كلما كان مدعاة للإستغراب و الصدمة .
ما تشهده الساحة الوطنية من حين لآخر من حراك شعبي و تعاطي سياسي مفتعل ذات بعد قبلي جهوي يأخذ شكل سباق لرصد الوسائل و التعبئة الشعبية الشاملة و الواسعة بما أوتي من قوة في إطار التحضير الجيد بمبادرات شخصية أو جماعية بدافع الظهور في زيارات رئيس الجمهورية من أجل حجز مكانة لائقة وسط الحشود الحاضرة لإستقباله و تسجيل و ضمان حضور قوي داخل المشهد الوطني و إظهار الدعم للنظام الحاكم و لو بشكل كاذب كما جرت العادة ،
كلما تم الإفصاح أو الإعلان عن زيارة تفقد و إطلاع أو عمل مرتقبة لرئيس الجمهورية داخل الوطن قصد إطلاق حزمة مشاريع تنموية أو خدمية تلامس هموم المواطن .
أو الوقوف علي منجز وطني كان في الموعد ،
سلوك لم يكن وليد اللحظة بقدر ما هو استحضار لنهج قديم من الممارسات السياسية الخاطئة منذ العهد الديمقراطي الأول،
أملتها ظروف المرحلة حينها من أجل ضمان المقعد الإنتخابي مقابل التمكين و الحصول علي مزايا خاصة .
نهج تطور بشكل غير مسبوق و تبنته الأنظمة اللاحقة و اتسعت دائرته في كل الإتجاهات ،
اتسم بمظاهر ولاء زائفة و كاذبة اتجاه النظام الحاكم يغذيها البعد القبلي و الطائفي بدوافع و مصالح ضيقة .
اعتادته و مارسته النخب الوطنية و السياسية خلال المواسم الإنتخابية و زيارات رئيس الجمهورية ،
سلوك غير متحضر لم يعد يناسب علي الإطلاق المرحلة الراهنة ،
و مظهر من مظاهر فساد القيم المجتمعية .
بحيث يعد خروجا صريحا عن نطاق القيم التي ترسخت بفعل الظروف التاريخية و الثوابت الدينية و الوطنية .
كيف لنا أن ننبذ و نحارب الفساد من جهة ونتعايش و نتعاطي معه من جهة أخري ؟!
نعم إن فساد القيم المجتمعية يعتبر أخطر و أعظم انواع الفساد لأنه الأساس الذي يبني عليه الفساد الإداري و المالي و السياسي ،
و هو يؤدي إلي إنهيار المجتمع بأكمله .
حيث أن غياب القيم ينتج عنه مجتمع يفتقد للأمانة و النزاهة و يصبح عرضة للفساد في كل تجلياته .
إذا كان البعض يريد بهذا المسعي إبراز و إظهار مستوي الولاء للوطن و التأييد اللامشروط للنظام فإنه أساء إليه و من خلاله إلي رئيس الجمهورية عبر تعطيل عمل الدوائر الحكومية و تجميد مصالح المواطن و التقليل من شأنه و تكريس مفهوم القبلية و ترسيخ البعد الجهوي و بالتالي الإستهتار بجدية و صدقية الحرب علي الفساد و التشكيك فيها ،
مما يقوض مفهوم الدولة في ظل غياب و تراجع قيم المواطنة.
حيث ساهمت هذه الممارسات الخاطئة و الهدامة في خلق بيئة مناسبة للنفاق و التملق و الكذب و الغبن و الظلم و إشاعة ثقافة الترف و الفساد و التبذير داخل المجتمع و كرست الفوارق الإجتماعية و خلقت جيلا متحورا من المبذرين و المفسدين و المتملقين و المنبوذبن علي غرار مدرسة المهرجين و علي طريقة الشيطنة نزولا عند الآية الكريمة من سورة الإسراء : ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا ..) صدق الله العظيم.
في حين كان من المفروض أن تستهدف هذه الزيارات الساكنة المحلية فقط داخل محيط المناطق المزارة دون غيرها لتشكل فرصة مواتية للتلاقي و فتح جسر التواصل بين القمة و القاعدة بين رئيس الجمهورية و المواطن البسيط للوقوف علي حيثيات النواقص الحاصلة و الإستماع للمطالب دون مغالطة أو تضليل.
تثمينا و تقديرا لما تحقق علي أرض الواقع في مختلف المجالات و مناحي الحياة .
خاصة إذا علمنا أن ما يتم صرفه علي هامش الزيارات و مستوي التنظيم من موارد ذاتية و أموال خاصة من أجل نشر اللافتات و الشعارات الكاذبة و المضللة و إطلاق المبادرات و الدفع بحشود شعبية كبيرة قادمة من العاصمة انواكشوط لقلب الموازين و التشويش علي الساكنة المحلية و تقديم المدينة بوجه غير وجهها الحقيقي في محاولة لمغالطة رئيس الجمهورية و تضليل الرأي العام .
كل ذلك ما هو إلا مظهر من مظاهر الفساد و البذخ و الترف و مضيعة للجهد و المال و الوقت ،
بالتأكيد أموال كبيرة و كبيرة جدا تصرف في مثل هكذا حالات و مناسبات دون جدوي بشكل مفرط و غير مدروس ،
يحدث هذا في الوقت الذي يعجز فيه معظم المواطنين عن تأمين قوتهم اليومي نتيجة غلاء الأسعار و تدني الأجور ،
أموال في مهب الريح كان بالإمكان أن تؤسس لتنمية محلية ذات نفع عام .
إن كل ما يحتاجه الوطن اليوم في الوقت الذي تبني فيه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ،
بشكل حازم سياسة المساءلة و المحاسبة بشأن الفساد و المضي قدما في مجابهة و مكافحة كل أشكال الفساد ،
هو الإرادة الصارمة و الجادة في إحداث التغيير المنشود أولا في العقليات و المسلكيات و من خلال القطيعة التامة مع ممارسات الماضي و إرهاصاته و تعزيز سيادة القانون و خلق مفهوم المواطنة وثقافة إحترام القانون.
إن أكبر عائق أمام تنمية وتقدم البلد في ظل دولة القانون و المواطنة هو تخلي النخب الوطنية السياسية و الدينية و الثقافية و الحقوقية عن دورها المحوري و في ظل القطيعة مع القيم والمبادئ و الثوابت الدينية و الوطنية و الأخلاقية و عدم الإرتقاء بالنفس الأمارة بالسوء مما كرس و عزز من تنامي المفاهيم الخاطئة لدور القبيلة في ظل المصالح الضيقة و التقليل من شأن الدولة العميقة القوية و الحاضنة للجميع . و تقديم المصلحة الخاصة علي العامة في ظل طغيان النزعة النفعية و غياب الوازع الديني و ضعف الحس الوطني ،
و علي نحو أسس لمرحلة غير مسبوقة من إتقان فنون التطبيل و التملق و النفاق السياسي و التزلف و الإحتيال
الذي أضحي و بات مصطلحا شائعا لدي المسؤول الموريتاني يقتات عليه و وسيلة لمغازلة النظام و التطبيل له
بصوت يصدح بشعارات زائفة كاذبة و مضللة لا تخدم النظام نفسه و لا الوطن من ورائه .
داخل المحافل والمناسبات الوطنية المتباينة.
إن النخب هي الطلائع المجتمعية التي يفترض أن تضطلع بأدوار شتي علي غرار تحقيق التنمية و هي القوة الإجتماعية الدافعة بعجلة التنمية و المعززة للموارد كما أنها أيضا هي المنتجة للقيم الإجتماعية فهي التي تقع علي عاتقها في كل الحالات مهمة البناء الإجتماعي و القيادة و التخطيط .
إن عمليات التغيير علي العموم و كذلك المسارات التنموية إنما تقودها النخب الوطنية ليس إلا.
فمتي نستفيق و نحدث قطيعة تامة مع تلك الممارسات و المسلكيات الهدامة و نغلب منطق المواطنة الصالحة المخلصة علي تراهات ولاء النفاق المزيف ؟؟!!
حفظ الله موريتانيا.
اباي ولد اداعة.
.

