الكلب الحارس ورصاصة الحسم

تحوّلت ليلةُ السبت الباردة، في السابع عشر من أكتوبر لعام 2025، داخل سكون "دار النعيم" - القطاع 12 بشمال نواكشوط، إلى مسرحٍ لجولةٍ خاطفةٍ من المواجهة الشرسة، خطفَ فيها الحسمُ أنفاسَ الليل. كانت الثقةُ معقودةً على نبرةِ الوفاء في نباح "كليب"، الحارسِ الأمين، وعلى ومضةِ فطنةٍ يَقِظةٍ لم تستغرق سوى جزءٍ من الثانية لتُشعلَ شرارةَ الفعل الرادع.
في عمق سكون الليل، حيثُ الأبواب تُرخِي ثِقلَها لاحتضانِ الدفء من لسعات البرد القارص، انفجر نباحُ "كليب" - الكلبِ الأليف والوفيّ - صوتاً مدوّياً على غيرِ عادته، اخترق جدارَ الراحة، ليُعلن عن اختراقٍ وشيكٍ يتهددُ أمنَ الدار. اندفاعٌ غريزيٌّ موَسْوَمٌ بالحذر قادَني إلى الباب؛ وهناك، في عتمةِ الطريق التي ابتلعها الظلام، كانت تتشكّلُ صورةٌ غيرُ مكتملةٍ لشابٍ في مقتبل العشرين، يتلوى كأفعى رابِضَةٍ، وعيناه تترصّدان الأفق، نظراتٌ كانت كافيةً لتُطلقَ جرسَ الإنذار داخلَ الروح.
لم يكن الأمرُ مُجرّدَ شكوكٍ ، بل كان حساً فطرياً عميقاً بالخطر الداهم، حَدْسٌ أمنيٌّ دفعني لجولة استكشافٍ سريعةٍ تلتها صرخةُ قرارٍ حاسمٍ وواثقٍ إلى الوالدة: "أغلقي البابَ بإحكام، الأمرُ ليس بخير!". ما هي إلا لُمحَةُ بصر، حتى انشقّ الظلام عن طيفين متحركين؛ صاحبُنا الأول يتبعه آخرُ أكبرُ سنّاً وأصغرُ حجماً، وكلاهما يرتديان "الجلابية" التي أصبحت رمزاً لا يخفي سوءَ النيّة وقصدَ الحرابة.
خطواتٌ ثابتةٌ، تتخللها رعشةُ توتّرٍ خفيٍّ لم تطل، رافقها صوتُ سحبِ الأقسام المتحركة من السلاح. صليلٌ معدنيٌّ ارتجفَ له هدوءُ الهواء، ووصلَ صداهُ إلى أسماعِهم كنذيرِ شرٍّ لا مفرّ منه. "أنتم أخباركم؟" سؤالٌ خاطفٌ وحادٌّ، كان بمثابةِ إعلانٍ غيرِ مُباشرٍ للمواجهة والحسم؛ لم يُمهلِ الأولَ ليكملَ إجابته الواهنة، حتى مزّقت طلقةٌ تحذيريةٌ عِنانَ السماء، لتُعيدَ التوازنَ إلى المشهد، مُعلنةً أن اليقظةَ أسبقُ من أي حِيلة.
هنا، تشتّت الجمعُ، وتلعثمت الحُججُ الواهيةُ تحتَ وطأةِ الصدمة والرعب: "كنتُ راگد أنا، ما شي شور صاحبنا!". لكن العينَ اللّماحةَ والفطنةَ الحذِرةَ كانت قد عرفتِ الأكبرَ سنّاً، ساكنَ الحيّ القريب، وهو صديقٌ مقربٌ - حسب كلامه - لأحد أفراد العصابة التي اقتحمت منزلًا في توجنين وقتلت صاحبه وتم القبض عليها؛ لتكتملَ بذلك صورةُ الخطرِ وتُزالَ آخرُ طبقةٍ من ستارِ التمويه.
إنها حكايةُ ليالٍ أضحت فيها "الحرابة" والسطوُ مهنةً لشبابٍ غفلت أعينُهم عن كسبِ الحلال، ونامَ الحسُّ الأمنيُّ في نفوسهم. فكم من تفريطٍ وتقصيرٍ، وكم من حياةِ بدوٍ لا تزال تُصارعُ ضروراتِ وحصونِ الحضر، تجعلُ البابَ يُفتحُ على مصراعيه بحجةِ "الحُمّان" (الحرارة)، ليصبحَ مدخلاً سهلاً لكلِّ سوء!
لقد كانت تلك اللحظةُ برهاناً ساطعاً بأن لغةَ الحسم هي المفتاح مع هؤلاء، وصرامةُ الرصاص هي المربّي، إن لم تُؤدّبهم الفطرةُ والمُروءة، فلتؤدّبهم قوةُ الردعِ الأمنيّ. اليقظةُ والفطنةُ هي الدرعُ المنيعُ الذي لا يُخترق، و"كليب" شاهدٌ على ليلةٍ، انتصرت فيها الشجاعةُ والحذرُ الممزوجُ بالفِطنة على ظلامِ الطمعِ وسوءِ النيّة.
محمد علوش القلقمي