
استمعتُ بعناية إلى الصوتية الأخيرة التي نشرها الأستاذ Brahim Bilal Ramdhaneورغم التوقعات بأن تحمل هذه المداخلة إضافة فكرية أو رؤية فلسفية بحكم تكوينه الأكاديمي وموقعه كأستاذ فلسفة، فإن النتيجة جاءت على النقيض تمامًا: خطاب عامي، متناقض، يفتقر إلى الانسجام والتماسك، ويعتمد على اللف والدوران وغياب الوضوح. بدا وكأن المتحدث يستحضر بئته الاجتماعية التي ترى في الغموض مهارة،وذكاء بينما هو في الحقيقة لا يعدو أن يكون سطحية مموهة.
الأخطر من هذا كله أن خطاب إبراهيم بلال حمل بُعدًا شرائحيًا صريحًا، وهو اتجاه يستحق الوقوف عنده وتحليله بدقة. لقد حاول أن يقزّم مفهوم الشرائحية ويحصره في تعريفات سطحية، لكن الواقع أعمق من ذلك بكثير.
الشرائحية: المفهوم والدلالة
الشرائحية ليست هوية اجتماعية، بل هي أداة سياسية تقوم على تحويل الجروح التاريخية والاختلالات الاجتماعية إلى رأس مال للابتزاز. الشرائحي هو:
• سمسار حقوق يتغذى على آلام الناس ليستثمرها في مكاسب شخصية.
• فاعل انتهازي يحوّل معاناة الشرائح إلى وسيلة لطلب الوظائف والامتيازات.
• ممارس لابتزاز الدولة والمجتمع عبر منطق: “أعطيني منصبًا أبيعك صمتي”.
إنها إذن ليست حركة حقوقية أصيلة، وإنما تجارة بالمظلومية.
الحراطين والمجتمع الوطني
من المهم التأكيد أن الحراطين جزء لا يتجزأ من البنية الوطنية للبيظان، مثلهم مثل الشرفاء، الزوايا، الطلبة، لمعلمين، آزناكه وغيرهم. إن حصرهم في خطاب شرائحي ضيق لا يخدمهم، بل يعزلهم عن عمقهم الوطني، ويحوّلهم إلى أداة بيد السماسرة السياسيين.
بين الادعاء والواقع
إبراهيم بلال يتحدث وكأنه الناطق الرسمي باسم الحراطين أو المسؤول عنهم، بينما الحقيقة أنه لا يملك حتى تمثيل الحراطين داخل قبيلته الخاصة. والحراطين في أصلهم ليسوا كتلة منفصلة، بل هم موزعون على مختلف القبائل الموريتانية مثلهم مثل سائر المواطنين، يحملون نفس الانتماءات، ويشاركون في نفس البنى الاجتماعية. ادعاء احتكار تمثيلهم إذن ليس سوى مغالطة جديدة، تخدم مشروعًا شخصيًا لا يعبر عن واقعهم ولا عن إرادتهم
بين المطلب الوطني والمصلحة الشخصية
المتابع لصوتيات إبراهيم بلال، كما لمداخلات بيرام الداه أعبيد، يدرك أن القاسم المشترك بينهما ليس الدفاع عن الحراطين أو عن أي فئة أخرى، بل اللهاث وراء التوظيف والامتيازات. الخطاب الشرائحي ليس سوى غطاء لمطالب شخصية متكررة، تتجدد في كل مناسبة. حتى استخدام مصطلحات إنسانية مثل “المطحونين” لم يكن إلا محاولة لتغليف نفس المطلب: الحصول على وظيفة.
خاتمة
ما قدمه إبراهيم بلال في صوتيته لا يمثل طرحًا فلسفيًا ولا مشروعًا وطنيًا، بل هو نموذج صارخ للشرائحية بوصفها إعادة إنتاج للابتزاز السياسي في ثوب إنساني زائف. إنها محاولة لإقناع الناس بأن هناك قضية عامة، بينما الحقيقة أن القضية شخصية ضيقة لا تتجاوز حدود “الوظيفة والامتياز”.
ولذلك، فإن مواجهة مثل هذا الخطاب لا تكون بالرد العاطفي، وإنما بتفكيكه أكاديميًا وفضح منطقه الداخلي، وبيان أنه لا يعكس مصلحة الحراطين ولا مصلحة الوطن، بل يعكس مصالح أفراد بعينهم يقتاتون على الجرح الاجتماعي.
د.محمدعالي الهاشمي