عميد المداحين... لحرير نابغة المديح النبوي الشعبي

في عمق الريف الموريتاني، وعلى أطراف مدينة كيفه، ولد النور في هيئة صوت سيحمل في صدره طيلة حياته حبا فريدا للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. كان ذلك سنة 1945، حين أنجبت الأرض المباركة محمد أو مسعود، المعروف شعبيا بـ"لحرير" أو كما كانت تناديه والدته بحب: "تحرير"

منذ صغره، لاحظت والدته في سلوك ابنها علامات البركة والنباهة، فكنّته بـ"مسعود" تفاؤلًا بمستقبله المشرق. نشأ في كنف المحظرة، ينهل من معين القرآن والعلم الشرعي، ولمّا استوى عوده، امتهن الرعي، شأن الكثيرين من أبناء جيله، لكن قلبه ظل معلقًا بشيء أسمى.

"لحرير" لم يكن مجرد مدّاح، بل كان شاعرًا بالفطرة، ومؤلفًا وملحنًا ومنشدًا في آن واحد. صاغ المديح النبوي بأسلوب فريد، قسمه إلى نوعين:
- مدح الركب: قصائد مركبة من عدة مقاطع، تخاطب الوجدان وتلهب الأرواح.
- الربحية: سرد إنشادي مسترسل يصل بصاحبه إلى حالة من الصفاء والسكينة، تمتد حتى نهاية الأداء.

تميّز بخطاب شعبي بسيط، عميق في معانيه، ينبض بالعقيدة والوجد الصوفي، ويُمثّل مدرسة قائمة بذاتها في المديح النبوي الشعبي الموريتاني. لم تكن مدائحه مجرد تكرار تقليدي، بل كانت إبداعًا خالصا نابعا من القلب، يروي السيرة العطرة بأسلوب محبٍّ متفان.

توفي "لحرير" رحمه الله يوم الجمعة 27 مايو 1994، لكنه ترك خلفه كنزًا روحيًا ومعرفيًا خالدا، وميراثًا فنّيًا يشهد له التاريخ بأنه من أعمدة المديح الشعبي في بلاد شنقيط.

رحم الله المداح الحر، وأسكنه فسيح جناته. فبصوته العذب، ووفائه النبوي، خطّ اسمه في ذاكرة المداحين، وظلّ منارة لكل من أراد أن يمدح سيد الخلق محمّد صلى الله عليه وسلم بإخلاص وصدق.