
الأستاذ الجامعي الدكتور: أدو ولد الشيخ
يكتب عن: نظامنا التربوي بين الأهمية والاهتمام
لقد كثر الحديث في هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي عن إصلاح التعليم، وما أدراك ما إصلاح التعليم؟
فأردت أن أشارك، رغم قلة البضاعة، وقصور اليد والحيلة. ومع ذلك، أقول مستعينًا بالله تعالى:
إن أي موضوع ينبغي أن ننظر إليه من خلال أهميته، ومن ثم يتحدد مستوى ودرجة الاهتمام به.
وإذا صحت هذه الفكرة، أعتقد جازمًا أن لا أحد يجادل في أهمية التعليم، تلك الأهمية التي تعبر عنها المجتمعات الواعية، والتي أدركت هذه الأهمية، وأخذت تعبر عنها بما تخصصه من ميزانياتها العامة للتعليم، وقد تصل إلى %25 أو %30 أو تزيد.
ولقد تطورت وتقدمت دول كثيرة، قد لا تكون بالضرورة ذات موارد مالية كبيرة، وصلت إلى ذلك بأساليب وطرق فنية وعلمية مكنتها من القضاء على الأمية، ومن ثم تطور البحث العلمي.
فإذا كان ما تقدم - بشكل عام - يؤسس لأهمية التعليم، فإن بلدنا، رغم عمر الدولة القصير نسبيًا مقارنة ببعض المجتمعات، قد عرف تجارب للإصلاح ومحاولات متكررة، ولكن كلها كانت تتعثر في تحقيق أهدافها، ربما لأسباب وعوامل كثيرة، قد لا يناسب المقام ذكرها جميعًا.
لكن على سبيل المثال لا الحصر، أذكر:
1. الارتجالية.
2. تغليب القرار السياسي على القرار الفني.
3. عدم وضوح الفلسفة وتحديد معالم السياسة التعليمية.
إن مجتمعنا الموريتاني الشنقيطي لم يشتهر بثرواته الطبيعية، ولا ببضاعته الحربية، وإنما اشتهر بالعلم والعلماء الذين كتبوا اسم بلدهم بحروف من ذهب في مشارق الأرض ومغاربها.
أذكر هذا لأقول: إذا أردنا التقدم لمجتمعنا والنهوض به وتطوره، فعلينا بالعلم والتعلم.
وإذا أردنا إصلاح التعليم، فإن علينا أن نعطي القوس باريها، وأن نجعل الرجل المناسب في المكان المناسب.
كما أن علينا أن نفهم أن الإصلاح لا يمكن، ولا ينبغي له أن يكون إلا بفريق متكامل من أبناء المجتمع، يشمل هذا الفريق كل التخصصات والمستويات، ورجال الأعمال، والشركات، حتى يسهم كل من موقعه بأحسن ما عنده.
إن النظام التربوي وحدة متكاملة، لا يصلح ولا يصح أن نحاول إصلاح بعض مكوناته دون مكوناته الأخرى، فالنظام التربوي يشد بعضه بعضًا، ومثله تمامًا مثل جسم الإنسان، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد.
ومثله كذلك مثل السيارة كنظام، فإنها تتكون من عدة أجزاء، وإذا تعطل بعضها، فإنه يؤثر على المكونات الأخرى.
معنى هذا أن النظام التربوي إذا أريد له أن ينطلق إلى تحقيق أهدافه بكفاءة وبكامل طاقاته، فعليه أن تكون جميع مكوناته في نفس المستوى من القدرة والكفاءة.
وبتفصيل أوضح: ينبغي مراجعة وإصلاح جميع مكوناته من ألفه إلى يائه، كما يقال، ومن أعلى مستوياته إلى أدناها، من عمال ومعاونين، ومن مجتمع محلي ومجتمع مدني، إلى الإدارة التي يعتبر المتخصصون أن دورها حاسم في نجاح الإصلاح.
أما المعلم، فتكوينه وتدريبه ومتابعته بالإشراف والتشجيع والتكريم والاحترام، كل ذلك من الضرورات التي لا غنى عنها، وإن كان تحسين ظروفه المادية وتكريمه معنويًا قد تفوق نتائجه نتائج الماديات.
وأما البرامج والمحتويات وطرق تقديمها، فينبغي أن تكون مصحوبة بالوسائل المناسبة: (الوسائل الإيضاحية، الكتاب المدرسي، المختبرات، الأدوات الهندسية...)
وأما الامتحانات: وضعها، وتصحيحها، ومن يضعها، وكيف... فلكل ذلك قصة يطول الحديث عنها في هذا المقام.
وأما الإشراف التربوي: فأساليبه ودوره في تحسين الأداء، وكذا دور المتابعة والتقويم، كل هذا وغيره مما يجب الوقوف عنده حتى نصحح المسار، ونعالج جوانب القصور والأخطاء قبل فوات الأوان.
وبأسلوب بدائي قد يراه البعض غريبًا، وفي مثل هذه الظروف الصحية وتأثير الجائحة، ينبغي العمل بحرص على إنقاذ الأرواح، فإن المريض يحتاج إلى الطبيب الماهر.
وكما قيل قديمًا: "نصف عالم يفسد العقول، كما أن نصف طبيب يفسد الأبدان".
إننا بعد أكثر من نصف قرن، لا ينبغي لنا أن نبقى دائمًا ندور في حلقة مفرغة، نبدأ أولى خطوات الإصلاح، ونبذل الكثير من الجهد والوقت، لنفتح أعيننا في لحظة معينة لنجد أنفسنا في المربع الأول.
إننا بحاجة إلى وعي أكثر بأهمية التعليم وضرورة الاهتمام به، ذلك أن الدراسات والبحوث أثبتت نتائج الاستثمار في رأس المال البشري، إذ أن الإنسان هو الوسيلة والهدف، فسبحان من خلقه وسخر له الكون، وعلمه ما لم يكن يعلم.
وفي هذا الإطار، نقترح ما يلي:
1. إصلاح الموارد البشرية بتفعيل الرقابة والمتابعة والتقويم.
2. تطبيق مبدأ المكافأة والعقوبة.
3. مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب.
4. مطابقة التخصص للوظيفة، والأقدمية الكافية.
5. ملاءمة التوزيع الجغرافي للخريطة المدرسية.
6. إبعاد التسييس عن الحقل التربوي.
7. ضخ الموارد المالية الكافية للتحسين من المردودية، وخصوصًا الرواتب والعلاوات.
8. الشفافية في الترقيات والتحويلات حسب الأقدمية.
9. سن قوانين جديدة وتطوير المنظومة الحالية لسد الفراغ الحاصل، مثل عدم وجود قوانين تنظم التعليم الحر.
10. توسيع وتنظيم البنية التحتية التربوية، ومحاربة التقري الفوضوي.
11. رفع نسبة مخصصات التعليم من الميزانية العامة للدولة لتصل إلى 35%.
12. تشجيع البحث العلمي والابتكار.
13. إيجاد صندوق وطني لتمويل البحث العلمي.
14. تعميم المعلوماتية والماء والكهرباء على كل المدارس على المستوى الوطني.
15. تفعيل التكوين المستمر والدراسات والإحصاءات، وتبادل الخبرات مع دول الجوار.
16. تحسين الرواتب، مما سينعكس إيجابًا على المردودية.
17. توفير الكتاب المدرسي، ومراجعة الإستراتيجية الناظمة لتوفيره.
18. توفير وسائل الإيضاح التربوي: خرائط، مساطر، أدوات هندسية، مختبرات...
19. توحيد الزي المدرسي، وتطبيق التشريع المدرسي.
20. إلزامية التقويم التربوي للمدرس في الميدان.
21. مراجعة وضعية التعليم الحر نظرًا لفوضوية القطاع.
22. مراجعة البرامج مراجعة جذرية من طرف خبراء دوليين ووطنيين.
23. إخراج الامتحانات من دائرة النمطية التقليدية، ومراجعة أساليبها وتقييمها وتبسيطها.
24. إلزامية دروس التربية المدنية، وحفظ النشيد الوطني، والرموز الوطنية، ورفع العلم يوميًا، من أجل غرس الروح الوطنية والمساواة بين الأجيال.
25. إلغاء تجربة مدارس الامتياز لأنها تمييز غير مبرر، والعمل على تحسين ظروف التعليم العمومي حتى يصل إلى مرحلة التميز.
الدكتور: أدو ولد الشيخ ولد أعمر
أستاذ علوم التربية
أستاذ جامعي في المدرسة العليا للتعليم