الإداري الأديب بدن يكتب في تأبين فقيد الثقافة محمد ولد ميداح

رحم الله أخي وصديقي الحميم دمبَ ..

بقلم / محمدن بن سيدي الملقب بدنَّ

التاريخ : الاثنين 12 مايو 2025م.

من أدق ما قيل في الصداقة قولُ عباس محمود العقاد " إن الأصدقاء هم الأوطان الصغيرة" وبهذا المفهوم النبيل فأي أصدقاء الفقيد محمدْ بن أحمدْ بن الميداح لم يفقد بفقده وطنَه الصغير ؟!
جمعتني ودمبَ مقاعد الدراسة النظامية في حاضرة ابَّيْر التَّورس بعيد الاستقلال .. وبالرغم من أنني لا أتذكر من تلك الحقبة الطيبة إلا ظلالا باهتةً في مخابئ دفينة في خبايا الخيال ، إلا أنني أتخيل أنني كنت أتقاسم وإياه دائما العديد من الهموم الصبيانية المشتركة من لهو بريء ولعب جريء ..إلاّ أن جراءتنا تلك لم تبلغْنا قطّ مرحلة التطاول إلى ما يتعاطاه الجيل الموالي من الأقسام الدراسية من ترف ركوب الحمير وغيره مما كانوا يضنون به علينا وتقصر عنه أجسامنا الصغيرة .. كل ما كنا نظفر به منهم من حين لآخر هو حضور بعض مجالسهم الأدبية التي نستمتع بفحواها دون أن نفقه محتواها ، وذلك مقابل خدمات بسيطة ولكنها منتظمة وصارمة. ولم نزلْ كذلك حتى غادرنا محمد لمتابعة دراسته في قرية المذرذرة المجاورة .. وابتداءً من ذلك التاريخ لم تنقطع علاقتُه بأترابه من الحي حتى وبعد أن تجاوز لاحقا إلى عالم آخر هو فضاء التوظيف إذ أصبح معلما ثم مفتشا في مواطن متعددة داخل المقاطعة.. وخلال تلك الفترة أتيحت لأخينا الفقيد فرصة نادرة لتوسيع مداركه وصقل ثقافته الإگيدية الراسخة الأصيلة حيث أخذ من كل حيّ بطرف حتى تناقل الناس قولة مشهورة سارت كالمثل السيّار مفادُها أن " رجال أهل إگيدي " ثلاثة : محمذنْ ولد باگَّا حفظه الله والدكتور محمدْ بن محمد صالح و دمبَ ولد الميداحْ رحمهما الله "!صار الفقيه يجالس الكبار من المسؤولين الإداريين والسياسيين والقادة الأمنيين و الوجهاء والصالحين يساعده في ذلك عقله الراجح وذكاؤه الطافح .. فكم روى لنا لاحقا من الحكايات الماتعة عن هؤلاء وخاصة منهم المرحوم الشيخ سيداتي ولد الطالب بويَ أيام مقامه في النمجاطْ مديرا لمدرسته الابتدائية..
و يدور الزمن ويجمعنا التوظيف في انواكشوط حيث استعدنا وغيرنا من الأصدقاء في الحي علاقتنا قبل زمان وكأننا لم نفترق قبل .. الفرق الوحيد أننا أصبح يجمعنا من الفضاءات بقدر ما نتقاسم من الاهتمامات .. وهكذا صرنا نلتقي في المنابر الثقافية والأدبية التي يحتل فيه الفقيد الصدارة ، وفي المحافل السياسية التي لم تكن تستهويه إلا بقدر الضرورة القصوى و في المناسبات الاجتماعية التي يفرضها عليه موقعه المركزي في المجتمع الموريتاني .
في مرحلة معينة من علاقاتي بمحمد بن أحمدْ بن الميداح تغمده الله برحمته الرايعة كنت أحسب مستوى الصداقة بيننا فريدا من نوعه حتى تبينتُ لاحقا أنني أشترك في ذلك المستوى الرفيع من الصداقة الحميمة مع جميع أصدقائه من مختلف مناطق الوطن ..
وكما ربى دمبَ الأجيال من موقعه كمعلم ومفتش في قطاع التهذيب الوطني ، فقد ملأ المنابر الثقافية والأدبية فوجه الشباب وصحح المفاهيم الخاطئة في الثقافة والأدب من موقعه الرسمي مسؤولا ساميا في قطاع الثقافة وخارج ذلك الموقع ..
كثيرا ما كان معالي وزير الداخلية الحالي محمدْ أحمد ولد محمد الأمين يقول لي : قامتانِ من جماعتكم لم يوفِّهمْ الوطن حقهم كل في مجاله : المختار بن حامدن و محمدْ ولد الميداح !
قلت: أما هما في ما بينهما فكلاهما كان يعرف للآخر حقه وحق ذويه من قبله وقد عبّر اتّاه رحمه الله عن ذلك أكثر من مرة في بديع شعره ومنه قوله :

مُدَّاحُ خير الورى أبناء مَدّاحهْ
دراس سيرته حفاظ أمداحهْ

الباسطون للاقيهم وجوههمُ
جلاَّب أفراحه طراد أتراحهْ

والدارسون متون الفقه يقرؤها
فصيحةً نشؤُهم من قبل إفصاحهْ

تغذى الوليدة منهم والـوليد بها
إما بنص خليل أو بشرّاحهْ

بيت يعيش جسوم الشعب مالهمُ
وفي غنائهم عيشٌ لأرواحهْ !

هذا وإنني أتمنى من كل قلبي أن يوفّى الرجلان حقهما وأن نتخذ من وفاة الفقيد دمبَ مناسبة لذلك ..
وأختم ببعض المساجلات التي كنت أتبادلها من حين لآخر مع المرحوم دمبَ إذ هي تعبير صادق عما كان يربطنا من صداقة حميمة :

صادفتُ صباحَ يوم 5 دجمبر 2019 صورةً على فيسبوك للأخوين: المرحوم محمد بن أحمد بن الميدَّاح "دمْبَ " علماً و البروفسور عبد الودود بن الشيخ حفظه الله فقلتُ :

وخيرتْ ابْمحمدْ و ٱبْعَبْدْ
ٱلْوَدُودْ أَسْوَ نُنَوَّ
وأَلاَّ عَنُّ لا يَبْگَ حَدْ
ما نَوَّ يَسْوَ منْهُوَّ

فأجاب دَمْبَ بقوله :

حتَّانَ بفضل اللهِ
لا عت إلَى گلت ابْقوَّ
وخيرت ابَّدِّنَّ لاهِ
ننوَّ، يسوَ ننوَّ !

فقلت :

گلْتْ آنَ شِ فَخْلاكِ حاك
فات أعليه العزم أُقوَّ
أ كَوْنِ ننوَّ يعگبْ ذاكْ
من لمُورْ ألا يُسوَّ

فقال :

تعگب تُسَوّ طبعَا ذيكْ
لُمُور و سابگ تسوَّ
ذ الِّ مـاهُ گاع امنويك
فِرْجِلْ يَانَ منْهُ هُوَّ ؟!

فقلت :

نختير ٱنگُول افذَ لگْطاعْ
سابكْ گفانُ تُطَوَّ
عن حد امْنَوِّ نوَّ كاعْ
يغيْرْ ٱعلَ رَاصُ ظَوَّ

فختم بقوله :

لا يشِطنك يعگب يفهم
عن ذاك ألِّ غالطْ هوَّ
خليــــهْ إتمْ إنوّ فـم ْ
ابْلاَ حولَ و ابْلاَ قُوَّ!

وفي خضمّ الحجر الصحي أحلتُ إلى المرحوم دمبَ رسالة صوتية موجهة إليه من قِبَلِ الشيخ علي الرضا الصعيدي وقد أفضى ذلك إلى التبادل التالي بيْننا في فاتح ابريل 2020:

قلت :

ذاك أراهوَّ جاكْ أَفْهَمْ
عنُّ جاك ؤُ گولْ إيلَ جاكْ
ذاك إيلَ ذاكْ اصَّ مِنْ فَمْ
يدمبَ شنهُ عندك ذاك ؟!

فقال دمبَ :

ما يُسَوَّلْ جان و أفرحتْ
و تايك بيه أُ ودَّالِ ذاك
گاعْ اني ماني عاگِلْ عتْ
مِنْ مِتْنْ الفرحَ و التتياكْ !

فقلتُ :

منْ لزمُ كانْ افرحْ بالصحْ
حَدْ ؤُمن لزمُ كانُ تاكْ
ابْذاك ؤُتمْ ألاَّ يفرحْ
بيهْ ؤُتمْ إتيكْ إيلَ ذاكْ !

فقال دمب:

ما كان إِجينِ ذاك أَخْبَارْ ؟
أ عدتْ امْنْ اليوم اصَّ يرعاك
متمنِّ عني كل انهار
لذاك إتمْ إجينِ ذاك !!

وبمناسبة تعيين دمبَ رحمه الله مستشارا لرئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية أخي السلطانْ ولد الطالب أعمرْ قلت له مهنئا يوم 29 يوليو 2020 :

دمبَ تعيينُ فَدَيْدَانْ
السياسَ لعياطْ اگرانْ
فالحكومَ و البرلمانْ
و الشعب الْ عايدْ محاسبْ
وإحاسبْ للِّ عادْ أ كانْ
من مسؤولْ أَعْلَ ألِّ كاسبْ
ذَ رئيس الحزبْ "السلطانْ"
ماهُ فيه امبهللْ حاسبْ
حسابات اكبارْ افْ ميزانْ
السياسَ كانْ أُحاسبْ.
يعرف عن دمبَ فمتحانْ
السياسَ ماهُ راسبْ
أعنُّ هو هو لنسانْ
أَلِّ يصلح للمكاسبْ
ؤُ لنسانْ املِّ فالمكانْ
و الزمانْ ألِّ مناسب !

فقال دمبَ :

ماه اعجب لجاني من عند
بدنَّ ش زين ابرَّد
لخلاك أفعزَّ مالي لعد
مِتكَوَّت بيها و الاَّ سب…
…حان اللَّ توف... احكيمْ العهد
اعطاه الله انُّو كاسب
منو ياسر، ما يَخشَ بعد
من لجن لجات اتحاسب
عن خبر الِّ يلزم من گدْ
ش فر الْ لَصحابْ امناسب

وان ما كنت افبل الحل
گاعْ الهيه و لا ننقاس ابْ…
ذوك الِّ سبْگًونِ فم الْ
لِّ فالمكان المٌناسب !!

وتدخل شيخنَ ولد حسنَّ ولد الشيخ محمد فاضل فقال :

يلالي مزين ذ الِّ گالْ
بدنَّ فصل الحال اگبالْ
فاجميعت مجال ؤ مجال
دمب، وان فيه الحاسب
ألاَّ ذاك الِّ فِبَّفال
سيديَّ گال ؤ مناسب

(كال ابفال أمن التمجاد الخ)

وبمناسبة عيد من الأعياد موافق
14 مايو 2021 حصل بيننا لگطاع التالي :

قلت :

دراعتْ ملگَ ذيكيَّ
ؤ تمسيكَ ذيكِ عليَّ
ؤ شاة املِّ عيدْ اضحيَّ
ماهِ بالمنَّ منيوشَ
هاذُ فخلاگِ لكْ هيّ
لخلاگْ افرجلكْ مفلوشَ
ؤ خاترْ لك عن ذوكْ اغْوَيَّ
ما تگدرْ بيهَ تُحَوْشَ

ؤتعگبْ تعرف عنه ساعَ
لعادتْ ماهِ منفوش
تنحازْ افْ قيمتْ درَّاعَ
ؤ قيمتْ بوشْ امْنْ المسكْ ؤوشَ!

فقال :

الدراعَ و البوشْ ابعيدْ
فيَّ مگَرِّتْهمْ و أكيدْ
لجاتْ امعاهم شاة العيد
اتعود القصَّ متروش
و امنين إِفُوتْ إعودْ افليْدْ
عندي ذ كامل مغروشَ

ران نگْبِلْ ذيك الساعَ
شِ بيهَ اصَّ ما نُحوْشَ
ؤُ يِنحازْ افْ قيمتْ درَّاعَ
ؤ قيمتْ بوشْ امْنْ المسكْ ؤوشَ!

فتدخل المرحوم محمد بن هدّارْ رحمه الله من باريز بطلعة كانت فرصة لتذكيره بمضمون الطلعة التالية :

قلتُ :

ادخلْ بينْ أخوتْ امْن الهيْهْ
خُ ثالثْ مجلسنَ يِلهيهْ
ؤ يلهينَ فيهْ امنينْ إجيهْ
فيهْ اعيارتنَ مفلوشَ
بالموزون الزين ؤلاَ فيهْ
لفظْ ألا معنَ يُحوشَ

ؤ يگدرْ فالعيدْ اگبللْ مفاتْ
يرسلْ مزال انَّ حَوْشَ
من شيَّاتْ اتجِ گَمْ اعياتْ
من ذيك اجِّيهَ مَحيوش !

وقلت له في الدعاء يوم الثلاثاء 16 أغشت 2022م :

لا رَ ماهُ ش لاق
دمبَ معدن لخلاقْ
ربِّ شورُ تنساقْ
ألطافكْ بتراتيمْ
ؤُ ربِّ لا رَ ش شاق
بين أخوتُ مُقيمْ
ؤلا رَ كونْ ابْ لِطلاقْ
الخيْر اف كل اقليمْ
ؤذَ عند ابْ لتّفاق
كل أهل اقليم اطميمْ
واستاجبْ يالخلاقْ
الرحمانْ الرحيمْ
الوَهَّابْ الرَّزَّاقْ
الفَتَّاحْ العَلِيمْ !

وقال المرحوم محمد مرة معلقا على منشور في موقع "رياح الجنوب " يتحدث عن بعض الشرفاء بني جدنا القطب مودي مالك :

ذ امْنْ اعمايمْ لشرافْ انْعَدْ
شورك يحقَّاقْ المَرجَ
متوسلْ بيهم محمَّدْ
ول أحمدْ لطلوع الدرجَ

فقلتُ:

بالشرفَ متوسلْ فبلَدْ
محمدْ لطلوعْ الدرجَ
يا ربِّ يعمل محمدْ
ول أحمدْ منهَ يُشرْجَ !

عزاؤنا لأسرة الفقيد الخاصة : زوجه وبنيه وإخوته وذويه وأصدقائه ثم لسكان مقاطعة المذرذرة و بلدية ابَّيْر التَّورس وولاية الترارزة و لسائر الشعب الموريتاني و نسأل الله أن العليّ القدير أن يتغمد الفقيد برحمته الواسعة و أن يُسكنه فسيح جناته {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}..

رحم الله السلف و بارك في الخلف .