مؤتمر المحاربين في القاهرة / ومع ذلك ما زال ينبض ! قلب الأمة

خلال اجتماعهم هنا في القاهرة حيث كان اجتماعا حيويا لاتحاد المحاربين القدماء وضحايا الحرب كان السأم واضحا والحيلة معدومة أمام حجم الجرح بفداحة الجرائم في غزة فحدث ولا حرج ومع ذلك كان عزاؤنا الوحيد أن الإخوة الفلسطينيين يتنزل عليهم قول المولى عزوجل "إنهم فتية آمنوا بربهم".
لقد قدموا درسا تاريخيا "يشملنا " كعرب ومسلمين في الشجاعة والإيمان بالوطن ،لكل العالم فلم ترى البشرية مثل هذه التضحيات وهذا التشبث بالأرض ولا بالمقابل مثل تلك الجرائم .
مصر حيث الزمن القديم لا يموت كل شيء يحكي مرحلة من تاريخها القديم الإنسان الأهرامات النيل قناة السويس … جزءا من التاريخ الغارق في الترف والقوة والغطرسة والتحدي، والعجائب التي لم يستطع الذكاء الاصطناعي فك رموزها . مصر القديمة صاحبة الآلهات الوثنية المتعددة آلهة الشمس الملك رمسيس الإله ،النيل مسرح التاريخ المصري الملاحم الكبيرة مهد الديانات : يوسف والملك (تزرعون سبع سنين دأبا )، موسى وفرعون "فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون "
وفي الأخير قناة السويس ذلك الجهد الإنساني الكبير في شق جوف الأرض من أجل تحويل مجرى المياه والملاحة البحرية لمصلحة مصر ،إنه شعور بالعظمة يتنسمه المصريون الذين يكابدون بكل حزم القيود الموضوعة حول دولتهم بإحكام !
وهكذا عندما تخترق بك الطائرة حجب السماء محلقة فوق القاهرة تشاهد الموقع الذي ينفث عبق العظمة إنها العاصمة الشاحبة وهنا يتهادى التاريخ الكبير المثقل بكل الحياة والقوة والعظمة والعمل : هذا النهر العظيم وهذه البنايات الشاحبة التي تعجز عن الترميم بسبب العمر فقد كانت في مراحل متعددة من التاريخ مركز الكون، وهذه الطرقات المستلقية على أديم الأرض منذ القدم التي لم تغفو لحظة واحدة من الدهر بسبب مسرى الحياة عليها ،في سكونها وتطورها وهذا الإنسان الذي يحكي في خَلقه وشكله جميع ألوان وسحنات البشر بل هو عصارة امنزاج الزمن والحركية والقوة، والتاريخ والجغرافيا والسياسة .
إن كل شبر من هذه الأرض مثقل بمرحلة من التاريخ الحافل العظيم مثل قول الشاعر الموريتاني الشيخ أحمد ولد حنبل
في شماريخ ثقال دلح
كتهادي العيس في الوعث النّكب
إنها في الحقيقة حاضنة الدنيا لكنها تنوء بمسؤوليات ثقال وليكن الله في عونها .
عند وصولنا للمطار كنا محط استقبال وحفاوة لقد جنبونا تلك الطوابير المبالغ في طولها وكأنها حية عظيمة تلتهم الوقت وجهد المسافرين المضني من طول السفر ، كان العقيد محاطا بشباب مؤدب كأنهم خلقوا لمهمة استقبالنا فقط ومع الحيوية فلاتكاد تسمع همسا انتقلنا من المطار صحبة مرافقة عسكرية حتى تم إيداعنا في مأمن في فندق وثير تابع للقوات المسلحة -سكبنا على أسرته الكبيرة وعثاءنا فقد كان لنا ما بقي من يومنا -إن سبب هذا الغطاء العسكري هو رعاية المؤسسة العسكرية لهذا الحدث وبعناية مبالغ فيها .
كان اللواء خالد مصطفي توفيق في استقبالنا يبدو أنه لم يحصل على رتبة لواء هبة أو عطية كما توحي بذلك حيويته وانضباطه ، لقد تطبعت العلاقة بيننا بسرعة وكأنها منذ دهر وذلك بسبب أريحيته وبساطته وخفة الظل أو خفة الدم كما في التعبير المصري . الطاقم المصري كان رائعا ومنهمكا وودودا .الابتسامات عريضة ومجانية حيث ما أدرت وجهك ، بل هي جزء من الخلقة المصرية .
لم تكن الحفاوة المصرية وحدها هي ما أحاطتنا فقد شملتنا حفاوة سفيرنا في مصر السيد الحسين ولد الديه لقد كان في الواقع ودودا ويعمل بأصول وقيم الضيافة .
لم نشعر في هذا الجو المشحون بالود والاستعداد، وبالبرنامج المكثف بوعثاء السفر .كان الافتتاح مهيبا وكانت النياشين التي تعبر عن النجاح تملأ المكان كله : ألوية وعمداء في الغالب حتى أغلب الوفود المشاركة من الدول العربية كانت قيادتها من نفس الرتب العالية وتلبس بزاتها المخضبة بالنياشين والأوسمة على الصدور والمناكب -إنها محل فخر واعتزاز حسب مشية حامليها - باستثناء دول قليلة مثلنا ممثلة بمنظمات مدنية .
توجهنا إلى الأعمال المكتظة بالجلسات. إن جدول الأعمال يتضمن انتخابات و نقاشات ومداولات ودراسة الأحداث والاستشراف.. كان فعلا يعبر عن الاستمرار في تحمل مسؤوليات الأمة والاستعداد للتضحيات وكانت المغرب بالدرجة الأولى والاتحاد العربي بصفة اساسية قد قدموا مقترحات قرارات مهمة تتعلق بوضعنا الراهن وبمستقبل المجتمع العربي. لقد لفتوا الانتباه لأمور مهمة مثل ضياع الشباب وكذلك قدم الإخوة اللبنانيون والسودانيون مقترحات تتعلق ببلدانهم لكنها كانت تدخل في سياق الوعي بمعضلات الحاضر وتصور المستقبل كانت النقاشات رائعة وصريحة وكان رؤساء الجلسات الدكتور مصطفى الكتيري رئيس الاتحاد العالمي للمحاربين القدامى من المغرب و السيد فايز العنزي من الكويت يتمتعان بروح انفتاح عالية وخبرة كبيرة في إدارة الحوار وهكذا تم الاتفاق بشأن 21 قرارا بشكل جيد بعد نقاشات ومداولات وبشكل اجماعي وبصياغة رائعة .
كان جمهور هذا المؤتمر يتكون من 14 دولة وقد كان حضورها كلها لافتا ومثيرا للاهتمام. وقد شارك في أعمال هذا المؤتمر بالإضافة لوفدنا الاخوة من الفلسطينين والعمانيين والإماراتيين والقطرين والليبيين والعراقيين والأردنيين ومن مصر والكويت والمغرب والسودان ولبنان وجيبوتي .
لقد تم انتخاب مكتب جديد لإدارة الاتحاد برئاسة اللواء خالد مصطفى توفيق والسيد الشيخ العبدللّ الصباح واللواء مصطفى حسن عميره أمينا عاما واللواء حازم بيومي أمينا للمالية من بلد المقر مصر ومفوض مالي اللواء ركن نيقولا مزهر الذين يتوقع فيهم الاقتدار وأيضا تم انتخاب لجنتين دائمتين لمدة أربع سنوات واحدة برئاسة العنزي للعمل الإداري ولجنة سياسية محمد محمود ولد بكار .كما تم تحديد مساطر للعمل الداخلي وعقد المؤتمرات .
كان هذا المؤتمر مناسبة عظيمة لتدفق دم الأخوّة والقواسم المشتركة على مستوى التنظيمات الأهلية إلى شرايين الأمة عبر هذه المنظمات التي هي عنوان للتضحية الميدانية والخبرة والرزانة وبعد ذلك اندماجها الاجتماعي وحمل لواء التضحية والذود عن الوطن مما يدعم نجاح عملها ومصداقيته ويدفع بتطوير مظاهر وحدة الصف أو المواقف أو على الأقل يثبت الأحساس بالقواسم المشتركة بين الإخوة العرب .لقد قدم الإخوة الأردنيون نموذجا رائعا من العمل الاجتماعي الواسع والذي لامس احتياجات وقطاعات واسعة لهذه الطبقة الفاخرة بالتضحية طبقة المحاربين القدماء عبر عرض رائع ومفعم بالنشاط المتعدد الاهتمامات والفوائد .
إنه اتحاد قمين بالاحترام من طرف الدول والمجتمعات العربية وجدير بالدعم من الحكومات لكي تتقدم أعماله بسرعة وتتوسع لتشمل جميع الدول العربية .
فشكرا للاتحاد ولدولة مصر على استضافة هذه الدورة. ونتطلع لجهود الوفود والدول الأخرى .