
الجميع يفر من حقيقة غزة، بل لا يريدون سماع استغاثة أهلها، وأنين أطفالها، وصراخ أشلائها. ولا يريدون حتى سماع ترامب الذي أكد أن وجود قوات حفظ سلام أمريكية في غزة، وسيطرة الولايات المتحدة على القطاع، سيعود بالنفع على القطاع الفلسطيني. وأعرب عن استغرابه من "سبب تنازل إسرائيل عن غزة أصلاً"، واصفًا إياها بأنها "موقع استراتيجي رائع لكنه غير صالح للسكن".
الجميع يبحث عن افتعال أزمة عالمية تنسي الرأي العام العالمي ما يجري في غزة. العرب يخترعون الانشغالات تبريرًا لعجزهم، والغرب يصطنعون الحروب مع طواحين الهواء.
وفي مقالي هذا، أنا لا أتدخل في خيارات أي شعب، لكنني أتناول التوصيف فقط، وهذه الدول أعلم بمصالحها ومصالح شعوبها. ولكن لا يمكن إنكار أن الجميع يفر من غزة ويبحث عن ذرائع تخفي عجزه. حتى الأمريكي، برفع الضرائب وتهديد الكرة الأرضية، يفعل ذلك من أجل خلق ذرائع تنسي الرأي العام العالمي ما حصل ويجري في غزة من إبادة غير مسبوقة على مر التاريخ..
ونبدا من سوريا التي يعتدي عليها الاسرائيلي يوميا لانه يعيش على حدودها، دون أن يلقى ردًّا أو حتى إدانة جدية، مع انه العلم انه زمن الحكم السابق كان هناك يقول "نحتفظ بحق الرد" لكن اليوم تحوّلت الأرض السورية إلى ساحة مفتوحة للغارات الإسرائيلية، التي استباحت السيادة السورية، واخترقت أجواءها، ودمّرت بنيتها، وقتلت مواطنيها، واستهدفت قواعدها، ومخازن سلاحها، ومطاراتها.
بل الأسوأ، أن إسرائيل تمركزت داخل سوريا، عبر احتلالها الفعلي لمدن وبلدات جديدة.
بالمقابل فان الحشود السورية من مقاتلين والاستفزازات اليوم تحصل على الحدود اللبنانية.
ثم نصل الى غزة...التي لا تبعد عن مصر أكثر من شعرة.
وكلما ألقت إسرائيل بصاروخها من خلال غارة بالطائرات الحربية، وصل صدى الانفجار إلى رفح والعريش، بل وصلت الأشلاء فعليًا إلى المعابر المصرية.
ورغم كل ذلك، التصريحات تجدها منضبطة الايقاع في السياسة والاعلام والراي العام...
بل فجأة، ضج العالم العربي بتصريح عن الاعلام المصري الذى يتحدث عن الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الاقتصاد المصري نتيجة تراجع إيرادات قناة السويس بسبب التوترات المستمرة في البحر الاحمر
وكان غالبية الاعلام العربي يريد لمصر بدل ان تتوجه الى حماية اهالي غزة وسيناء يحرضونها على الحوثي.
مع العلم ان ما يقوم فيه الحوثي الان، يقطع على اسرائيل فكرة شق قناة بن غوريون التي ستكون على حساب وبديلا عن قناة السويس. لانه وبكل بساطة يمكن للحوثي ان يمنع مرور السفن التي تمر عبر قناة بن غوريون في المستقبل.
السؤال هل باتت الجغرافيا تُفهم بالاتجاه الخطأ؟
في لحظة مشبعة بالتحولات، هناك من يريد دفع مصر على بوابة البحر الأحمر، وعلى الجهة المقابلة، نقف أمام سوريا جديدة... ليست سوريا العروبة، ولا القومية، ولا حتى المقاومة.
بل سوريا تتشكل خارج التاريخ، خارج التعددية، خارج المدنية... انها سوريا سلجوقية.
نعم، الرايات والشعارات السلجوقية تلوح في الأفق.، خاصة التي يرتديها شخصيات سورية رسمية،
حتى الولايات المتحدة الامريكية نفسها نشرت منذ ايام تقريرا يتحدث ان 30% من قوة جبهة النصرة التي استلمت الحكم في سوريا هم من الاجانب، وقد نشرت اسماء ضباط اجانب تمت ترقيتهم إلى مناصب عسكرية عليا في الجيش السوري، شملت رتب عقيد وعميد ولواء. وجاء من بين الذين نالوا رتباً عالية كل من كلمن عبدل بشاري (خطاب الألباني) وهو ألباني الجنسية ويقود منذ أعوام "جماعة الألبان"، وعمر محمد جفشتي (مختار التركي) والمصري علاء محمد عبدالباقي، وعبدالعزيز داوود خدابردي الذي يتحدر من القومية التركستانية. وكذلك مولان ترسون عبدالصمد وهو طاجيك الجنسية وعبدالرحمن حسين الخطيب الذي منح رتبة عميد وهو طبيب أردني الجنسية، فضلاً عن "ذو القرنين" زنور البصر عبدالحميد الملقب بعبدالله الداغستاني، وهو قائد "جيش المهاجرين والأنصار"، وهؤلاء يتجمهورن داخل سوريا، وكأنهم نواة خلافة جديدة، يتمتعون بحقوق المواطن، وبالسلطة، وبالقدرة على تقرير مصير الشعب السوري الأصيل.
لهذا السبب يشعر السوريون خاصة الأقليات التي تمّ تهميشها، وإقصاؤهم عن السلطة ومراكز القرار، يعيشون في قلق دائم، يلتمسون حماية دولية، كما ظهر في فيديو الأب فادي عطالله السرياني السوري.
وهكذا، تُستبدل الهوية السورية بجحافل مقاتلين عقائديين، يصرّح بعضهم بانتمائهم إلى حركات إسلامية عابرة للحدود.
تمامًا كما فعل السلاجقة التاريخيون، حينما تحرّكوا من وسط آسيا إلى دمشق، ثم لبنان، فالعراق، ثم فارس.
فهل نحن أمام مجرد اضطراب؟ أم أمام نواة مشروع ديني احادي، يلتقي مع مصالح قوى كبرى؟
وإذا بدأ هذا المشروع، فهل يعني أن لبنان والعراق في خطر مباشر؟
خطر ليس فقط من السلاح، بل من نموذج حكم لا يعترف بغيره.
انا لا اكتب مقالًا... فمن يُراقب المشهد العربي بلا شعارات، يرى بوضوح أن هذه الدول لم تعد تتكلم لغة واحدة، ولا تقف على أرض واحدة، ولا تحمل أهدافًا موحدة.
انا اسال عن خريطة دماء وتاريخ قادم.
وعن هوية عربية عروبية تتبدّل...
الحرب في سوريا اشتعلت من اجل الديمقراطية، اين هي الديمقراطية اليوم التي تهجر بسببها 10 مليون سوري في العالم.
هل الديمقراطية هي ان ترى الآخر مرتدًا رافضي أو كتابيا وربما كافرًا يحق قتله او طرده.
المشهد لم يبدأ بعد...
ويجب على الشعب اللبناني ان يتمسك بوحدته في زمن ترسم كيانات الدول في مطابخ الوجبات السريعة.
بقلم: ناجي علي أمّهز