الحوار الوطني المرتقب الواقع و المأمول .

يعتبر الحوار سنة حميدة للتعاطي مع الشأن العام حول مختلف القضايا الوطنية سبيلا في معالجة الإختلاللات الحاصلة و تصحيحها،
الأمر الذي يتطلب وضع آليات و إستراتيجيات جديدة لفرض نهج الإصلاح في التغيير و التجديد .
فالهدف من الحوار هو تعزيز التوافق الوطني من خلال تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف بغية الخروج برؤية مشتركة تفتح آفاق الحل و المعالجة بشكل فعلي لكل الإشكالات بما يخدم مصلحة الوطن .
فالعنصر الأساسي في الحوار هو الجدية و الصراحة و الصدق في التعامل مع كل القضايا المطروحة أو العالقة ،
و إلي أي مدي يتم تقديم التنازلات من أجل الوطن .
يأتي هذا الحوار المرتقب في سياق وعود إنتخابية تعهد بها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
حينما أكد إبان حملة الرئاسيات الأخيرة حرصه علي إطلاق حوار وطني شامل و جامع سوف لن يستثني أي طرف .
كما يأتي أيضا بدوافع أمنية في ظل ما تشهده البلاد من تحديات متباينة وكبيرة جدا أبرزها تداعيات مخاطر هجرة غير شرعية و غير مسبوقة تهدد المجتمع و السلم الأهلي ،
فمن المفارقة أن تهتم الحكومة بشأن الهجرة المعاكسة للشباب الإفريقي القادم من أوروبا أو المتسلل من إفريقيا مرضاة للإتحاد الأوروبي ،
في حين تتناسي و تتجاهل أسباب و تداعيات هجرة الشباب الموريتاني المتواصلة رغم ركوب المخاطر نحو الولايات المتحدة الآمريكية بحثا عن غد أفضل و حياة كريمة .
مما سيكون لذلك في الإتجاهين من تبعات و تأثير مباشر يتعلق بالتغيير الديمغرافي للتركيبة السكانية للمجتمع ، و علي مستوي القيم و الثوابت الدينية و الوطنية و الأخلاقية.
إضافة إلي تفاقم البطالة و تردي الأوضاع الإقتصادية .
لذا من حق الدولة أن لا تقبل أن يقيم علي أرضها إلا من يحترم قوانينها ،
كما يجب أن لا تقبل أن تكون منطقة عبور غير شرعية أو أرضا لتوطين المهاجرين غير الشرعيين .
و أن لا تكون إطلاقا حارسة إلا لحدودها
فالحكومة الموريتانية ليست معنية بأمن أوروبا بقدر ماهي معنية و مسؤولة عن أمن و إستقرار مواطنيها في كل المجالات .
في الوقت الذي إنتشرت و تطورت تعاظمت فيه الجريمة يشكل متسارع و مخيف .
إلي جانب تنامي خطاب الكراهية و العنصرية و العنف اللفظي و التحريض و إثارة النعرات العرقية و التحامل الكيدي علي الوطن ،
حصل ذلك علنا من تحت قبة البرلمان و في الشارع و عبر منصات و وسائل التواصل الإجتماعي دون مساءلة لأي كان في ظل التراخي و التفاوت الحاصل في تطبيق القانون .
إضافة إلي تجذر الفساد علي نحو متحور و واسع داخل مفاصل الدولة إلي درجة طغيان التشاؤم في الإصلاح عند المواطنين .
مما أعاق من تطور و تنمية البلاد وزاد من حالات التفاوت الإجتماعي و الغبن و التهميش و الإقصاء داخل المجتمع .
من جهة أخري جاء إعلان فخامة رئيس الجمهورية عن قرب إنطلاق الحوار المرتقب بشكل رسمي بعد تكليف السياسي المخضرم السيد موسي افال كمنسق عام لهذا الحوار .
لاقي بالمقابل ترحيبا و ارتياحا واسعين داخل الأوساط السياسية .
تم ذلك علي مستوي مأدبة إفطار بالقصر الرمادي حضرها رؤساء و ممثلي الأحزاب السياسية موالاة و معارضة و مؤسسة المعارضة الديمقراطية و أعضاء الحكومة و بعض الشخصيات الوطنية،
إضافة إلي المرشحين للإنتخابات الرئاسية الأخيرة ،
ماعدي النائب صاحب المرتبة الثانية في الرئاسيات زعيم حركة ايرا غير مرخصة الحقوقي و السياسي المشاكس السيد بيرام اداه اعبيد .
الذي غاب عن الحفل لأسباب تخصه ،
ربما أكتفي بالتفاصيل و الضمانات التي حصل عليها خلال اللقاء المطول الذي خصه به رئيس الجمهورية علي إنفراد قبل موعد هذا الإفطار بأيام قليلة .
لاشك أن أبرز القضايا و الإشكالات التي ينبغي أن تكون في صدارة أولويات الحوار المرتقب هي ملف الهجرة غير الشرعية تأثيراتها و تداعياتها الأمنية ، الحكامة الرشيدة ، موضوع الفساد ، المسار الديمقراطي ، الوحدة الوطنية ، التعليم ، الصحة ، حقوق الإنسان، ملف الإرث الإنساني و مخلفات العبودية.. الخ .
هذا و قد جرت في السابق عدة حوارات وطنية و تشاورات سياسية لم تكلل بالنجاح و بالتالي لم تسفر عن أي شئ .
معظمها تم تبنيه للإستهلاك السياسي.
آخرها تم تعليقه دون سابق إنذار بشكل أحادي لحاجة في نفس يعقوب قضاها
كما أن البعض أرجع هذا الإخفاق لخلافات حادة بين بعض أطراف المعارضة أنذاك .
معارضة أنقسمت علي نفسها و تحولت إلي معارضات بعضها يعارض البعض .
في الوقت الذي تخلت فيه المعارضة التقليدية عن دورها التاريخي و الريادي في مقارعة الأنظمة الحاكمة كما حصل في العهود السابقة و الدفاع عن مصالح الوطن.
بعدما شاخت و أستكانت في أحضان النظام الحالي في إطار ما سمي بالهدنة السياسية أو التطبيع مع النظام الحاكم .
يجب أن يشكل الحوار المرتقب فرصة جوهرية لوضع أسس جديدة لمستقبل البلاد من خلال المشاركة الواسعة من الجميع و بالجميع دون أي إقصاء أو تهميش بين مختلف الفرقاء السياسيين و الحقوقيين و المجتمع المدني و الأحزاب و الشخصيات الوطنية و المواطن البسيط ...الخ .
أملا في الوصول إلي مخرجات حوار وطني يمكن أن تترجم إلي واقع ملموس و تحقق توافق وطني ملزم للجميع .
يمهد لمرحلة جديدة و يساهم في بناء فوق ماتحقق في ظل دولة المواطنة و المساواة .
إنطلاقا من أن إستقرار الوطن و تنميته يتطلب منا حسا وطنيا و إنصياعا لقوانينه و جعل المصلحة العامة فوق الخاصة من أجل موريتانيا قوية إقتصاديا حاضنة للجميع متصالحة مع ذاتها قوية بتنوعها العرقي و تنوع مصادر ثرواتها الطبيعية ،
الكل يجد نفسه فيها .
في انتظار إرساء عدالة إجتماعية و تقسيم عادل للثروات تذوب فيه كل الفوارق الإجتماعية.
إضافة إلي ضرورة تجديد الطبقة السياسية .
و إفساح المجال أمام أصحاب الكفاءة و النزاهة من أبناء الوطن لتولي المناصب الهامة و إدارة القطاعات الحساسة .
إننا في محيط إقليمي و دولي نؤثر كما نتأثر .
إننا نترقب مخرجات حوار ينبغي أن تؤسس لقطيعة تامة مع تلك الممارسات المعيقة كالنفاق السياسي و التملق و الفساد و تمكين و تدوير المفسدين و الظلم و الغبن و الإقصاء و تجاهل مصالح الوطن و تعزيز دور القبيلة علي حساب هيبة و مفهوم الدولة .
حيث أن الدولة والقبيلة نقيضان لا يجتمعان وفق ما كتب إبن خلدون حينما قال : ( إن القبيلة إذا قوي سلطانها ضعف سلطان الدولة و إذا قوي سلطان الدولة ضعف سلطان القبيلة ) و هكذا دواليك .
كما نتطلع أيضا لمرحلة تراعي ضرورة عدم إستمرار تدوير المفسدين و إعادة توظيف المتقاعدين في المناصب الوزارية و رئاسة المجالس الإدارية .
إمتثالا للمثل الشعبي
( أللي طلصت سن يطلصها ) .
و إحتراما لحقوق الأجيال الصاعدة المتعلمة.
كما يجب كسر إحتكار نفس الأسر للحقائب الوزارية منذ قيام الدولة المركزية إلي يومنا هذا في شكل تدوير و توزير عائلي !
ما عدي ذلك فهو عود علي بدء لنهج الفساد و نهب البلاد .
أيعقل أن يظل الوطن يدار من طرف طغمة متنفذة و حاكمة من أصحاب النفوذ و أكلة المال العام دون غيرها من أبناء الوطن في كل الأوقات و المأموريات ما يتغير هو رأس النظام ليس إلا ؟!
فمتي يتغلب منطق المواطنة الصالحة و المخلصة علي تراهات
المصالح الضيقة ؟!

حفظ الله موريتانيا
اباي ولد اداعة .