أثارت التعديلات المقترحة بشأن القانون المنشئ و المنظم للأحزاب السياسية الصادر 1991 م .
و التي صادق عليها مجلس الوزراء مؤخرا ،
جدلا واسعا داخل الساحة السياسية .
حيث تضمن هذا التعديل شروط قبول إنشاء أي حزب سياسي جديد .
بزيادة عدد أعضاء الجمعية التأسيسية له من 20 - 120 مواطنا يمثلون كافة جهات و ولايات الوطن .
إضافة إلي ضرورة الحصول علي تزكية 5000 مواطن ينتمون حسب مكان الميلاد إلي نصف ولايات الوطن علي الأقل .
كما شمل أيضا هذا التعديل و تضمن عدة نقاط منظمة مثل نسبة عدد المنتسبين للحزب من داخل الولايات، بحيث لا تقل عن 10% .
و أن تمثل فيه نسبة النساء 20% من العدد الإجمالي لأعضاء الحزب .
مع ضرورة إحترام و مراعاة الوحدة الوطنية و الحوزة الترابية و أحكام الدين الإسلامي و مبادئ الديمقراطية .
و كذلك الإلتزام و التقيد بفتح مقرات للحزب داخل الوطن تشمل نصف الولايات علي الأقل بعد فترة أقصاها ستة أشهر من الحصول علي الترخيص .
أما بخصوص حل الأحزاب السياسية فقد حدد و أوضح التعديل 3 حالات تستوجب الحل بشكل صارم و قانوني : -
1 ‐ الإخلال بأحد الشروط الواردة في القانون الآنف الذكر .
2 ‐ الحل بقوة القانون: و هو أن يتعثر أو يفشل الحزب في الحصول علي نسبة 2% من الأصوات المعبر عنها في إقتراعين محليين متتاليين .
3 ‐ الحل الذاتي .
هذا وقد بررت الحكومة موقفها إزاء هذا التعديل بأنه إستجابة لمطلب قديم جديد ،
أملته ظروف المرحلة بعد ثلاثة عقود و نيف من الممارسة الديمقراطية .
يأتي ضمن إصلاحات جوهرية تستهدف الإطار القانوني المنظم للأحزاب ,
بغية تحسين و تنقية المشهد السياسي من كل الشوائب المضرة بتماسك و وحدة المجتمع .
و بهدف الرفع من أداء الأحزاب و جعلها ذات مصداقية .
في ضوء اللقاءات و التفاهمات الحاصلة بين وزارة الداخلية و أحزاب سياسية في الموالاة و بعض أحزاب المعارضة .
في الوقت الذي تبدو فيه المعارضة عبارة عن معارضات منقسمة غلي نفسها بعضها يعارض البعض .
بينما يري بعض المراقبين و المحللين بأنها خطوة في الإتجاه الصحيح لمنع و تفادي إنشاء أحزاب سياسية علي أساس عرقي أو شرائحي.
خاصة في زمن راجت فيه خطابات الكراهية و التحريض علي العنف في الخطاب السياسي و إثارة النعرات و الترويج للشرائحية علي نطاق واسع و بشكل غير مسبوق ،
و علي نحو أختلط فيه أيضا العمل الحقوقي بالسياسي .
وتم فيه السماح لحركات غير مرخصة تنشط وفق آجندات خارجية بمزاولة السياسة علنا عبر زواج مصالح مع أحزاب مرخصة
فما من سياسة إلا و مبنية علي المصالح
لكن مصلحة الوطن فوق كل إعتبار ،
ففي رأي كثير من المراقبين أن عيب الأحزاب منبعه من المنطلق الذي منه أنطلقت و تأسست ففاقد الشئ لا يعطيه .
في حين رفضت بشدة أطراف وازنة في المعارضة غابت أو تم تغييبها عن جلسات التشاور مع الداخلية بعضها قيد الترخيص ،
تعديلات القانون المعلن عنها و وصفتها بأنها تقييد للحرية السياسية ،
شروط يري المعارضون لهذا التعديل بأنها تهدف إلي وضع العراقيل أمام تشكيل و ترخيص أي حزب سياسي جديد .
ستمكن الأحزاب الكبيرة من الهيمنة علي المشهد السياسي وطنيا،
هذا وقد شهدت آخر انتخابات تشريعية بلدية و محلية مشاركة 25 حزبا سياسيا .
بعدما تقلص العدد خلال العشرية الأخيرة من 120 حزبا قائما .
بموجب قانون تم الإتفاق عليه أنذاك بين الحكومة وبعض أحزاب المعارضة سنة 2011 م .
أسفر لاحقا عن حل عشرات الأحزاب السياسية بقوة نفس القانون .
رغم ذلك كله مازال بجعبة الداخلية حتي الآن ما يقارب 180 حزبا في انتظار الترخيص .
في بلد لا يتجاوز تعداد سكانه 4 ملايين نسمة .
حصل هذا في الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر إعطاء الضوء الأخضر لإطلاق حوار وطني شامل و مفتوح أمام الجميع ،
سبق و أن تعهد به فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
ضمن برنامجه الإنتخابي طموحي للوطن .
يستجيب لتطلعات مختلف الأطراف و يضع مصلحة الوطن فوق كل إعتبار .
تناقش فيه كل القضايا الوطنية دون إستثناء أو تحفظ .
بغية الخروج بحلول و رؤي توافقية يتم من خلالها تجاوز كل الخلافات وتشكل قطيعة مع ممارسات الماضي الهدامة ،
تؤسس لمرحلة جديدة تستهدف بناء موريتانيا علي أسس راسخة من العدالة و المصالحة الوطنية و البناء المؤسسي .
من جهة أخري تعود نشأة الأحزاب السياسية بشكل رسمي إلي عهدة الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع و بالتحديد في تسعينات القرن الماضي حيث أعلنت البلاد من خلال دستور 1991 م عن قيام نظام سياسي تعددي حزبي ،
أجريت بموجبه أول انتخابات رئاسية في نفس العام.
أسست لمرحلة جديدة من الديمقراطية ,
سرعان ما تراجعت معها القيم المجتمعية وتم التخلي فيها عن المبادئ و الثوابت الوطنية ،
كرست لمفاهيم و ممارسات خاطئة و خطيرة من قبيل النفاق والكذب في ظل طغيان المادة و غلبة الطمع و الجشع و ضعف الوازع الديني و الوطني و إنتشار الفساد ،
تشكلت علي شاكلتها أحزاب سياسية موالية و معارضة للنظام مرخصة و معترف بها رسميا طبقا للقوانين المنشئة للأحزاب و للأعراف الديمقراطية مثل : الحزب الجمهوري الديمقراطي الحاكم ، حزب التجمع من أجل الديمقراطية و الوحدة ، حزب التكتل ، حزب التحالف الشعبي ، حزب اتحاد قوي التقدم ،حزب الإتحاد من أجل الديمقراطية و التقدم ، حزب الوئام ، حزب حزب الصواب ، تواصل ، حزب حاتم ،
.... و غيرها .
و إن كان بعض المراقبين يري بأن معظم الأحزاب الحاكمة جاءت علي مقاسات النظام الحاكم بشكل متحور أسس و أرخ لكل مرحلة حكم أو نظام مثل :
الحزب الجمهوري PRDS ( الرئيس السابق معاوية ولد الطايع ) , حزب عادل ADIL ( الرئيس المرحوم سيدي ولد الشيخ عبدالله ), حزب الإتحاد من أجل الجمهورية UPR ( الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز ) , حزب الإنصاف INSAF ( الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني ) .
تتغير مسميات و شعارات الحزب ، وتبقي نفس الأسماء والأشخاص حاضرة تتقاسم الأدوار داخل الحزب الحاكم دون غيرها و هكذا دواليك.
فالمتغير في المعادلة واحد هو رأس النظام
يتغير في الشكل دون المضمون بخروج رأس النظام مطاحا به أو مغادرا لسدة الحكم كرها أو طواعية بحكم قوة الدستور .
أول من يتناساه و يتنكر له إن لم يقاضيه حاشيته و محيطه السياسي علي غرار ما حصل مع الرئيس السابق ولد الطايع رغم طول فترة حكمه و التي وصفت بزمن الخير نظرا لما شهدته من تساهل وإستباحة لأكل المال العام دون مساءلة أو عقاب .
فساد استشري و اتسعت دائرته بشكل مخيف و غير مسبوق لاحقا .
و كذلك ما حدث مع الرئيس المخلوع المرحوم سيدي و لد الشيخ عبدالله .
و الرئيس الأسبق السيد محمد ولد عبد العزيز .
الذي كان بالأمس القريب قاب قوسين من الدفع به نحو مأمورية ثالثة مخلة بالقانون و بمواد الدستور المحصنة.
لولا قدرة قادر جعلته يرفض طواعية الوقوع في المحظور.
تصرف خاطئ و هدام أعتادت النخبة السياسية التي تدير البلاد و العباد و الأحزاب القيام به دون إستحياء ،
كرس للحكم الأحادي في المراحل السابقة .
كما أسس لمجموعة من الممارسات خارج إطار القيم و الثوابت الدينية و الوطنية خدمت الأنظمة المتعاقبة و زادت من حالات الغبن و التهميش و اتساع الفجوة بين طبقات المجتمع.
كما وفرت بدائل قيم خاطئة اطغت علي مختلف الحياة السياسية كالنفاق السياسي و التملق و الكذب و النفوذ القبلي و انتشار الفساد و سوء الإدارة و استغلال النفوذ و تضييق الخناق علي أحزاب معارضة شكلت في مراحل سابقة من تاريخ هذا البلد منافسا قويا مقارعا و مجابها لكل الأنظمة و الأحزاب الحاكمة باتت تعرف بالمعارضة التقليدية
سرعان ماتلاشت تلك القوة الخارقة و تراجعت بعدما تخلت عن دورها المنوط و المعهود في التوجيه و النقد البناء بعد دخولها في هدنة و مغازلة النظام الحالي إضافة إلي القطيعة مع قواعدها الشعبية في أحلك الظروف.
و التمسك بقيادة حزبية واحدة دون غيرها منذ التأسيس مهيمنة و مسيطرة في كل الأوقات و الأحوال علي المشهد و قرارات الحزب .
لعل هذا ما جعل الأحزاب السياسية لدينا لا تحظي بمصداقية كبيرة و كبيرة جدا داخل الأوساط الشعبية علي غرار المجتمعات ذات الديمقراطية الراسخة .
لكون معظمها لا يمتلك مشروعا مجتمعيا يتضمن تصورا شاملا ،
بالإضافة إلي غياب الرؤية و المنهج .
و إن وجدت لا تتعدي كونها برامج إنتخابية.
و لإرتباط هذه الأحزاب من جهة أخري بالمواسيم السياسية و الإنتخابية،
حيث تشكل مناسبة و فرصة موسمية بالنسبة لغالبيتها للتربح عبر سوق الإنتقالات السياسية .
بحكم حصر و فرض الترشح للإنتخابات التشريعية و البلدية و المحلية من داخل الأحزاب السياسية فقط .
مما سمح بتقوية أحزاب لا تمتلك في الأصل قواعد شعبية و دخولها قبة البرلمان ،
كما حصل مع حالات المغاضبة التي شهدها حزب الإنصاف خلال الإستحقاقات التشريعية والبلدية و المحلية الأخيرة .
حينما حاول إقصاء شخصيات وطنية حزبية وازنة من داخل دوائرهم الإنتخابية و فرض بدائل عنها .
مما ولد حينها موجة غضب عارمة و خسارة قاسية للحزب .
فجل هذه الأحزاب تهتم بالمواطن كلما أقترب الموعد الإنتخابي و تختفي و تبتعد مع إنتهائها .
بما فيها الأحزاب الحاكمة الذراع السياسي للنظام .
والتي أقتصر دورها هي الأخري في تثمين العمل الحكومي أو تسجيل بعض المواقف الخجولة أو التحضير لمهرجانات سياسية أو زيارات رئيس الجمهورية داخل ربوع الوطن .
مما عزز من نفوذ القبيلة و كرس البعد الجهوي و قوض مفهوم الدولة و الأحزاب .
حيث أعتادت الإنتخابات الموريتانية منذ عقود سيطرة الإعتبار الشخصي و النفوذ القبلي و الجهوي في تحديد وجهة التصويت علي حساب عامل الولاء الحزبي أو الوطني لعوامل عدة : أبرزها غياب الوعي الوطني و إعتماد معظم الأحزاب علي الأعيان والنافذين في المجتمع من أجل ضمان المقعد الإنتخابي .
نظرا لإنعدام ثقافة الإنضباط الحزبي و درجة الغبن و التهميش علي مستوي هيكلة الحزب دون إنصاف يذكر .
و غياب الروابط بين الأحزاب و الناخبين بالشكل الموجود داخل المجتمعات الديمقراطية في العالم.
خارج المواسم و المناسبات السياسية و الإنتخابية .
فالعلاقة القائمة لدينا في ظل غياب مفهوم صحيح للمواطنة كثيرا ما تكون بدوافع عائلية أو قبلية أو مصلحية بحتة ليس إلا.
في حين تعد الأحزاب من أهم التنظيمات السياسية التي تؤثر بشكل مباشر علي سير حركة النظام السياسي و ضمان إستمراره .
فهي تؤدي دورا مهما في تنشيط الحياة السياسية كما أضحت تشكل ركنا أساسيا من أركان النظم الديمقراطية .
فأداء الأحزاب ينعكس سلبا أو ايجابا علي نوعية الحياة السياسية و علي مستوي التطور الديمقراطي و التحديث السياسي و فاعلية النظام السياسي الذي يعد انعكاسا للنظام الحزبي السائد في الدولة .
إذ لا بد من ظهور أحزاب واعية تعمل بجد تتوفر علي رؤي و مشاريع يمكنها قيادة الدولة .
تتجاوز كل الشعارات السياسية و الخرافات الكاذبة ،
تحمل نوايا صادقة و حماسة وطنية من أجل النهوض بالبلاد و العباد نحو غد أفضل .
فعلي الدولة أن تعيد النظر في تعاملاتها الإجتماعية .
لكي تساهم في إصلاح ما يمكن إصلاحه و إنتاج أحزاب سياسية جديدة صالحة للوقت الراهن تؤمن بإصلاح الوطن و بالتجديد في ضوء مأمورية الشباب و مقاصد برنامج طموحي للوطن ،
تشارك إلي جانب الدولة في بناء مستقبل متعايش فعال ..!
فمتي سيتغلب منطق المواطنة الصالحة المخلصة علي تراهات ولاء النفاق المزيف ؟!
حفظ الله موريتانيا
كل عام وانتم بخير
اباي ولدادعة .