أثارت السيدة الأولى في نيجيريا الجدل وشغلت وسائل الإعلام العالمية بعد أن أطلقت تصريحاتها "النارية" والتي مفادها أنها ربما لن تساند زوجها في الانتخابات القادمة، إذا لم يجر تعديلات على حكومته، وذلك في مقابلة مع "بي بي سي"، وهذا يعني تدخلا مباشرا في شؤون الحكم ومهام الرئيس، برغم أن هذه السيدة، وهي تدخل القصر الرئاسي في مايو/أيار من العام الماضي، قيل إنها ستكون المرأة الهادئة التي لن تتدخل في شيء وستفضل أن تتوارى عن الأنظار وتخلص لعملها في مجال تجارة التجميل، أو تدير حملاتها الاجتماعية لصالح المرأة والأطفال.
ولم تمر ساعات على تصريح عائشة بخاري إلا وأعقبها زوجها محمد بالرد عليها وهو يقف بجوار المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أثناء زيارته لألمانيا، حيث قال إن زوجته "مكانها المطبخ"، وأنه يحظى "بمعرفة أفضل فيما يخص إدارة الحكومة". وقد ذكر ذلك ضاحكا، ولكن لا أحد متأكد مما في الأعماق البعيدة.
ومضى يقول: "لا أعرف على وجه التحديد إلى أي حزب تنتمي زوجتي.. في الحقيقة إن مكانها المطبخ وغرفة المعيشة والغرف الأخرى في منزلي".
خطورة تصريحات السيدة الأولى
وكانت عائشة قد قالت، وهي توجه انتقادات علنية لزوجها، إنه لا يتحكم في إدارة شؤون البلاد ولا يسيطر على الأوضاع بشكل جيد، وهي تحثه على أن يكون حازما، وألا يسمح لأناس آخرين من ورائه بالتحكم في الأمور، يعينون من شاؤوا ويزيحون من شاؤوا.
بل إن الوضع بتقديرها أسوأ من ذلك، فالرئيس لا يعرف معظم المسؤولين الذين عيّنهم، ولا قدراتهم، ولا من يكونون.
وإذا كان بخاري قد انتُخب بعد كلام كثير حول الفساد والمحسوبية في نيجيريا وقد وعد بأن يجعل ذلك من ذكريات الماضي، إلا أن تصريحات السيدة الأولى وعلى الملأ تعتبر خطيرة في كونها تلفت الانتباه من شخصية من داخل البيت الحاكم، هي زوجته، وهي تشير إلى أن بخاري لم يعد قادرا على السيطرة ولا إدارة البلاد بالشكل الذي وعد به، وأن الفساد ما زال ينخر بقوة.
حرب التصريحات بين الرئيس وزوجته
استمرت حرب التصريحات بأن يفند كل طرف نقد الآخر، فمقابل ما ذكرته عائشة رد محمد بخاري، على الصحافيين في ألمانيا قائلاً إن فوزه لثلاث مرات برئاسة البلاد (حيث سبق له أن تولى الحكم في عام 1983 بانقلاب عسكري قبل أزاحته في 1985) يعني أنه يمتلك قدرا أكبر من العلم من زوجته.
أما تصريحات عائشة فتنذر بأن الأزمة في نيجيريا قد استفحلت، فقد كشفت السيدة الأولى أن البلاد لا يديرها الحزب الحاكم، حيث إن أغلب من يتولون الشؤون من خارجه.
وهي تضيف أنها زوجة لبخاري منذ 27 عاما، وثمة من لم ترهم ولم تسمع بهم من قبل "فمن أين جاؤوا؟! أو جاء بهم... هو لا يعرفهم قطعا!!"، في إشارة للرئيس.
وتقول بسخط "إن من يريد معرفتهم عليه أن يشاهد التلفزيون، وهناك آخرون يجلسون في بيوتهم سوف يتم استدعاؤهم قريبا لتولي المناصب".
وقد وجه نيجيريون انتقادات لرئيسهم في حصر وظيفة المرأة في المطبخ وعمل البيت، باعتبار أن ذلك ضد حقوق المرأة التي يجب أن يدافع عنها، وقد وعد بذلك أثناء الحملات الانتخابية، لكن يبدو أن الوعود ذهبت هباء أمام الخلاف المشتعل على الهواء الذي جعل وسائل التواصل الاجتماعي في نيجيريا لا تهدأ طوال أمس واليوم.
السيدة الهادئة الرزينة.. هل تغيرت؟
بالعودة إلى الوراء وتحديداً العام الماضي عندما كانت عائشة بخاري تستعد لدخول القصر الرئاسي، كان النيجيريون في أشد السعادة بأن السيدة القادمة لن تكون مثل السابقات من زوجات الرؤساء اللوائي يتدخلن في شؤون السياسة ويغيرن في مسار القرارات.
وكان ثمة اعتقاد بأنها سوف تغيّر من صورة سائدة بأن السيدة الأولى تتدخل في كل شيء من وراء الجدران. لتأتي عائشة الآن وتكسر القاعدة، وتثبت أن التدخل ممكن ومباشرة، بل في أجهزة الإعلام الخارجية، وليس من وراء أي حجاب، كما كان يحدث في الأمس.
وقد دخل بخاري وعائشة القصر في 29 مايو/أيار 2015 بعد أن حقق زوجها نصرا كبيرا في محاولته الرابعة لتولي السلطة، بفارق قدر بـ2.5 مليون صوت عن منافسه غودلاك جوناثان، لتحتل مكان السيدة السابقة بيشنس جوناثان التي كانت قد عرفت بوصفها ذات سلطة ونفوذ ومثيرة للجدل، واشتهرت بأنها ذات صلاحيات سياسية كبرى واستعدادها الدائم لتهديد الخصوم السياسيين الذين يعرقلون مصالحها ومصالح زوجها، حتى إن المزاعم كانت تفيد بأن بيشنس تهيمن على تعاقدات الحكومة وظهور رجالات الحزب واختيارهم، رغم أنها كانت تنفي ذلك.
ما بين السيدتين.. السابقة والحالية!
كانت الاتهامات والسخط على السيدة السابقة قد وصلت إلى حده بعد أن أبدت تصريحات عنصرية، وهي تنتقد سكان البلاد الشماليين بأنهم يلدون الكثير من الأطفال، كما نقل عنها منتقدوها، وهو ما اعتبر تشويها عرقيا، كذلك تحريضها أو تهديدها ضد الحزب المعارض بأنها سوف تطلب من الناس أن يرشقوا بالحجارة كل من يطالب بالتغيير أو يهتف به، وكانت تشير إلى حزب "مؤتمر كل التقدميين" الذي كان يتخذ من شعار "التغيير" هدفا له، وقد حدث ذلك في فبراير/شباط 2015.
وترتب عن ذلك أن الأوضاع انعكست لتخرج السيدة المكاجرة عن القصر، وتدخل سيدة أخرى أكثر هدوءا ورزانة ومن الشمال الذي كانت بيشنس تنتقده وتصب جام غضبها عليه، وهو ما أطرب قلوب النيجيريين أن الأمور سوف تسير على ما يرام.
يذكر أنه وأثناء الحملة الانتخابية العام الماضي، كانت كلتا السيدتين بيشنس وعائشة تنتظر زوجها ليصبح الرئيس لتكون سيدة البلاد، وذكرت صحيفة لوموند الفرنيسة أن بيشنس وصفت زوج غريمتها بأنه في حالة "موت دماغي" نظرا لتقدم سنه.
وهنا لم تسكت عائشة فقد ردت عليها بالقول إنها "عاهرة سياسية"، إذ لم ترض أن تسكت عن ذلك القذف الذي يتعرض لزوجها الذي تهاجمه هي الآن، وأعقبت ذلك بالتأكيد وفق "لوموند" أنها لا تود الانزلاق فيما اسمته "اللصوصية السياسية".
هل تزوجت عائشة في سن مبكرة ومجبرة؟
وعائشة بخاري هي من مواليد 1971 وهي الزوجة الثانية للرئيس النجيري، وقد تزوجها في سنة 1989 وأنجبت منه 4 بنات وولدا. وتنحدر من شمال شرق نيجيريا من ولاية أداماوا وهي من عائلة عريقة، فأبوها أول وزير دفاع نيجيري من أهل البلاد في الستينيات من القرن الماضي.
وبخصوص عمرها الحقيقي فثمة خلاف وأقاويل حوله، فهناك من يرى أنها ليست من مواليد 1971 بل هي في حدود الـ36 عاما بمعنى أنها قد تزوجت وهي في التاسعة من عمرها، وهي تخفي عمرها الحقيقي.
وقد أثيرت هذه القضية أثناء الانتخابات العام الماضي وكانت جزءا من الصراع الانتخابي، بل ذهب المعارضون إلى أنها أرغمت على الزواج في سن صغيرة، ويرد آخرون بأنها تبدو صغيرة لكن ذلك مرتبط بمجال عملها وتخصصها في علم التجميل.
فهي بالإضافة لدراستها العلاقات الدولية وحصولها على الشهادة الجامعية فيها، فهي تعشق مجال التجميل وتدير أعمالا تجارية فيه بعد أن تخصصت فيه كذلك في فرنسا، كذلك لها شهادة من بريطانيا في الإدارة.
هل خيبت عائشة الظنون؟
وقتذاك قيل إن عائشة سوف تقلب كل المعايير فهي امرأة معسولة الكلام وطلقة اللسان، وكان النيجيريون يرون أن السيدة القادمة سوف تحررهم من أثقال النساء السابقات اللوائي يتدخلن في شؤون البلاد، خاصة أنها لا تحب الظهور مع زوجها أو تدلي بتصريحات سياسية، لكن يبدو أن ذلك العهد قد انتهى.
وحتى الانتخابات الماضية، القليل من المعلومات كانت متاحة عن عائشة بل إن بخاري تعرض لضغوط لكي يسمح لها بالظهور في وسائل الإعلام وعلى الملأ. وكان هناك من شببها بمريم بابانغيدا زوجة الرئيس الرئيس العسكري النيجيري السابق إبراهيم بابانغيدا الذي حكم بين عامي 1985 و1993.
أخيرا.. يشار إلى أن عائشة قد أثارت جدلا محدودا في شهر يونيو/حزيران الماضي عندما ظهرت على الانستغرام وهي تلبس ساعة غالية الثمن تقدر بـ50 ألف دولار، وهو ما سخط عليه بعض الناس واعتبروه تبديدا للأموال وسرقتها، لكن مناصرين لزوجها ردوا بأن بخاري لا يريد مالا من أحد وقد أنفق على وصوله إلى سدة الحكم في الانتخابات من حر ماله.