أيها المارون في فيافي الزمن الأزرق المتقلب المزاج
أيها المحتفون بلحظة الفرح العابرة والصابرين علي سنين الجدب والقهر
دلوني علي بوصلة ضاعت
أعينو ني علي ذاكرة أود إفراغها من كل ذكري جميلة وومضة اعتزاز وكرامة.
....
أنا ضائع بين قناعة مبدئية وواقع كالح دميم.
يوم دخلت مطار الفيحاء منذ أربعين سنة بدون تأشيرة ولا سؤال ،آمنت بأن وحدة الأمة ممكنة .
يوم مررت بشّقر العالم المتقدم صفا يبدلون الفرنك والمارك والدولار عنوة ليمروا وأنا أد س يدي في جيبي لأخرج قليل زادي من عملتهم وآخذ مكاني في الصف فيقال لي ليس ذلك بإلزامي لك كعربي فأعبر غير مساءل ولا معطل ، يومها آمنت بأن العروبة فخر لمنتسبيها.
في دمشق وفي حلب وفي طرطوس وبانياس وجبلة واللاذقية وفي حماه وفي حمص والبوكمال ودير الزور ودرعا والقنيطرة.
في وهاد تلك الأرض وعلي قمم جبالها مأوي للعربي لا ضيم فيه تكريما تعليما وحبا.
علمت بما جري في حماه واطلعت علي حيثيات سجن تدمر ...ولكنها كانت حربا بكل مقياس ومن يهزم لا مفر له من موت في ميدان أوسجنا قاسيا ولو كان .
ذلك حديث قديم كان رغم بؤس بعض فواصله لا تنتهي فقرته بغير اعتزاز بحكم يحتضن عروبته بواقع الحال ويواجه أعداء الأمة الصهيوني ولو بمجرد عزم علي الرد مع العجز عن الإنجاز.
في بدء ثورة الشعب السوري الكريم وقفت مع الثورة قلبا وقالبا وكيف لي أن لا أكون وشعارها سلمية ومطلبها إصلاح وبدايتها من حوران
ولكن بعدسني القتل والتدمير والتفجير والتهجير..
بعد العزاءات التي لا تنتهي
بعد البيوت المدمرة والأنفس المكسورة....
جاء عراب ( المجاهدين) ( حَمَدهم) ليخبرنا دون لف ولا مواربة : أن الأمريكان خططوا والسعوديون والإماراتيون والقطريون مولوا ودفعوا
للمقاتل خمس وللضابط عشر وللقائد خمسون من عملة إمبراطورية الشر ....
عندها علمت أن بوصلتي انحرفت عن الشمال فعدلتها نحو قصر المهاجرين لأن طريق تزويد المقاومين في لبنان وفلسطين يمر من هناك بشهادتهم ولأن ساكنه كان دوما رافضا للتعامل مع العدو ويجزم بأن
( الرد المناسب ) قادم وذلك أضعف العزم ولكنه عزم علي كل حال في زمن الحرب الأهلية المدمرة وقانون قيصر المجوع للشعب والبلد.
..
اليوم سٌلمت سورية باتفاق لا قتال فيه لجماعات قادمة من الشمال القصي فيها السوريون والتاتار والبشناق والأفغان والسقلاب والأتراك والقوقاز عبدة الله والفساق.
يرفعون راية العثملي علي مدرعاتهم ومسيراته تسبقهم وأمريكا تدعمهم وفرنسا تؤيدهم وإسرائيل تفرح بنصرهم وتقترب منهم في جبل الشيخ والقنيطرة لتصافحهم وتدمر في كل ركن من بلدهم كل ذخيرة وسلاح عتاد يمكن أن يكون في يوم ولو بعيد متجها ولو خطأ لقاعدة الجولان وما حولها أو لحيفا وأكنافها.
ذلك واقع اليوم والأمس حقيقة لا نكران لها
عندها تركت بوصلتي متجهة كما كانت لقصر المهاجرين ولو لبقايا صورة ممزقة لرئيس كان يسكنه ويجدد العزم علي الرد علي العدو ولو بعد حين كلما ضربت دمشق من طائراتهم أو قتل مجاهد في ظل من ظلال قاسيون.
..
اليوم تفرجت عفوا علي قناة السيلية وجزيرتها فرأيت منظرا تشيب له الولدان:
نساء اغبرت وجوههن وذاب لحمها في غياهب سجن رطب مظلم ،أطفال ينظرون للضوء باستغراب يرونه لأول مرة .
رأيت اولائك الذين فقدوا الذاكرة فلا يعرفون أين هم ولم !
اليوم شممت رائحة الدم المصحوبة بعفانة تفسخ الجثث المقتولة تعذيبا وشنقا..
شممت من بعد آلاف الكيلومترات رائحة الدم من وراء شاشة لأخوة من بلد أحببته حد الإعتزاز ،وعشقته حد التباهي وندمت علي واقعه حد البكاء ....
اليوم دار مؤشر بوصلتي بكل قوة ولم يشر لأي اتجاه
دار حتي تكسرت الإبرة وانخلعت من مركبها .....
اليوم لا بوصلة لي غير حزن ممض عميق
ومصير محزن للعراق وليبيا ..
مصير ذل وانكسار وحرب طاحنة بين أبناء البد الواحد انتقاما وثأرا وانخداعا بأماني إمبراطورية شر توجه وتدرب وعملاء لها يمولون يسبحون بحمدها ولهيكلها يسجدون.
...
اليوم لا بوصلة لي ..في ظل عجزي كفرد وعجز كل وطن لي في وطني الأكبر ...غير بقعة ضوء تكاد تنطفي في غزة لا أحتاج بوصلة لتشير لها فهي مغناطيس لشرف الأرض وهي تحدي الشريان للسكين.
#الله_المستعان
د. أحمد باب