التعليم الموريتاني بين صراع الهوية والصراع الطبقي.

المتتبع لمسار التعليم في موريتانيا يمكن أن يلاحظ انه ظل أسير الصراع الطبقي القديم والحديث والصراع الهوياتي الذي حملته الدولة الحديثة مع ما حملت من أمراض الولادة.
قبل الاستعمار ظل التعليم في غالبه حكرا على طبقتي الزوايا و لعرب بالمفهوم المحلي للكلمة ، في إطار ثنائية الركاب والقلم التي احتكرت النفوذ في المجتمع قرونا من الزمن.
ومع مجيئ الاستعمار انحاز التعليم المحظري إلى جانب المقاومة مشكلا نوعا من الممانعة حمى المجتمع من الانصهار في النسق الحضاري الغربي مما فوت على المستعمر فرصة التغلغل الأفقي داخل البلد فبقيت علائقه عمودية مع أصحاب النفوذ الاجتماعي شيوخ قبائل كانوا أو أمراء.
استطاع المستعمر أن يحصل على مكاسب ثقافية بفرضه على قادة الاستقلال لغته الفرنسية كلغة تعليم وإدارة ليكسب بالسياسية وعلى أيدي وطنيين ما عجز عن تحقيقه بالسلاح من خلال جيشه .
كانت تلك أولى بذور أزمة التعليم في البلد لتنتج مدرسة الاستقلال جيلا فاقد الهوية متشبثا بالثقافة الفرنسية متمثلا القيم الغربية مقابل نظيره الذي تخرج من المحاظر حاضنات الثقافة العربية الإسلامية.
ومع الجفاف وهجرة سكان الأرياف إلى المدن وتطلع الآلاف من خريجي المحاظر إلى الاندماج في الدولة اضطرت الحكومة إلى مراجعة منظومتها التربوية وادخلت بشكل خجول ساعتين من اللغة العربية إلى برامجها التعليمية مما دق ناقوس الخطر على سدنة الفركفونية ورأووا فيه خطرا على مصالحهم وامتيازاتهم التي اكتسبوها من خلال ثقافتهم الفرنسية فعملوا على أن يلبسوا الصراع الثقافي لبوسا عرقيا فأصدر تسعة عشر إطار من قوميات الزنوج بيانا داعما لاحتجاجات الطلاب الزنوج سنة 1966 ورافضا أي شكل من أشكال التعريب.
كان الزنوج مدعومين من طرف السفارة الفرنسية والنخبة الفرنكفونية وقد شعر الرئيس المختار رحمه الله بذلك وأعتبره محاولة انقلابية كانت قد دبرتها عليه الماسونية في موريتانيا فواجه الاحتجاجات بعزم وحمى قراره السيادي.
لم تصمد الأنظمة أمام ضغط الشارع ونضالات الحركات القومية المطالبة بالتعريب فاعتمدت الحلول التوفيقية المخالفة لطبيعة المجتمع فاصدرت إصلاحات تعليمية كلها تنطلق من البعد السياسي لا البعد التربوي المحض.
وكان آخر تلك الإصلاحات إصلاح 1999 سيئ الصيت الذي ادخل التعليم في غيبوبته التي لم يفق بعد منها.
وحفاظا على مصالح الطبقة البرجوازية فتح قطاع تعليمي حر موازي للقطاع العام يمتاز بالفوضوية في رسوم التسجيل ليعكس مستوى التمايز حتى داخل الطبقة البرجوازية كما أن بعضه لا يلتزم بالمقرر الدراسي الوطني.
ففيه المتشبث بالبرنامج الفرنسي مما يخلق جيلا منسلخا عن قيم مجتمعه.
استطاع التعليم الحر أن يوفر بيئة دراسية ذات جودة نسبية من حيث كم التلاميذ داخل الفصول فلا اكتظاظ كما هو الحال في التعليم العمومي إضافة إلى استقطابه للكفاءات من المدرسين من خلال رواتبهم المغرية والتي هي أضعاف رواتب التعليم العام.
هكذا انعدمت العدالة في التعليم مما أثر على المساواة في الولوج إلى سوق العمل.
لانتشال التعليم من واقعه المزري يجب الإسراع في وضع خطة ذات مدى زمني متوسط ترتكز على :
القضاء على الصراع الهوياتي من خلال فرض التعريب في كل المراحل الأساسية والثانوية.
استحداث سنة لغة انجليزية للموجهين إلى التخصصات العلمية في الجامعة.
إدخال مادة المصطلح الانجليزي إلى المناهج في المرحلة الثانوية
فرض اللغة العربية لغة للإدارة .
تطوير اللغات الوطنية حتى تصبح قادرة على الاندماج في المنظومة التربوية.
القضاء على التعليم الحر وتوحيد المنظومة التعليمية في نمط واحد وليكن نظاما شبه عمومي تدفع فيه رسوم غير مجحفة على أن تتولى الدولة رسوم ابناء الفقراء .
تطوير المناهج التربوية تمهيدا لإقامة أسس الصناعة الخفيفة التي هي رافعة الاقتصاد لكل البلدان التي تطورت.
مضاعفة رواتب المدرسين ووضعهم في ظروف ملائمة من حيث السكن ووسائل التنقل.
تطوير مدارس الامتياز لحماية وتأطير النخب وإعدادها إعدادا جيدا.
تطوير البيئة المدرسية لتصبح جذابة وبها وسائل ترفيهية.
تنقية الخريطة المدرسية من الزوائد الدودية بتجميعها في مدارس بها كفالات مدرسية ترشيدا للموارد البشرية والمادية.
تنقية الجهاز الإداري للتعليم من لوبيات الفساد التي عششت فيه عقودا من الزمن وقد عجزت عن تطوير ذاتها و رسم خطط إصلاحية جادة ، فهي اليوم شبيه بحراسة المعبد لا يمتلكون حق تغيير المناسك ويحرصون على تكرار نفس الطقوس.
وضع آلية جديدة لاختيار قيادات التعليم من مديرين مركزين أو جهويين وحتى مديري المدارس تعتمد على مسابقة ملفات وفق ضوابط ومعايير شفافة.
تجذير الحوار مع النقابات وتقليصها إلى نقابات قطاعية وجعلها شريكا تربويا حقيقيا لا منافسا شرسا.
استحداث جائزة الإبداع على مستوى المدرسين والتلاميذ.
تطوير آليات وصيغ التقويم.
التركيز على التكوين المستر.
شيخنا محمد سلطان.