القاضي: محمد بن محمد الأمين رحمه الله تعالى
قاضٍ، وعالم مدرِّس ومؤلف، وشيخ تربية وإصلاح، وعَلَم من أعلام الأدب والحكمة ومراجع التأريخ والتوثيق. التحق بسلك القضاء الموريتاني عام 1975م في مسابقة اكتتاب مباشرة، ثم تابع بعد ذلك ـ ضمن دفعات القضاء الشرعي ـ سلسلة برامج للتكوين المستمر في المدرسة الوطنية للإدارة شملت مختلف فروع القانون، وعمل رئيسا لعدة محاكم في ولايات كيدي ماغه واترارزه ونواكشوط، ومستشارا في المحكمة الإقليمية بنواكشوط، وفي المحكمة العليا. وعُرِف طيلة فترة عمله في القضاء بالجد والحزم والقوة في الحق، وبالتصدي للبت في عدد من القضايا المزمنة والملفات الشائكة. وكان تقاعده عام 2000م.
أخذ القاضي محمد ـ المشتهر بـ: *محمد بن بدِّي بن الدين*، العَلَوِيّ، الآبَّـيْريّ نسبة إلى شنقيط القديمة "آبّيرْ" ـ العلوم الشرعية واللغوية عن والده وجده وغيرهما من علماء ومشايخ أسرته، وفي محظرة ابن عمه العلامة محمدو بن المختار السالم بن العباس، ومحظرة العلامة أحمدو بن محمذفال الحسني، وصحب في التصوف الشيخ المربي محمد المشري بن الحاج العلوي وشيخه الشيخ إبراهيم نياس الكولخي حتى نال "التقديم المطلق". ثم درَّس العلوم والفنون المحظرية في مناطق إقامته وعمله على مدى عقود من الزمن، حتى وفاته سنة 2008م. وكان لهمته وتربيته ومنهجه وسلوكه كبيـر الأثر في محيطه وبين تلامذته وكل من عرفوه. تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
ترك القاضي محمد عشرات المؤلفات والبحوث والرسائل والفتاوى والمنظومات، في الفقه، وقواعده، وأصوله، وعلوم القرآن، واللغة، والتصوف، والأنساب، وفي مواضيع متفرقة من القانون الموريتاني، بالإضافة إلى ديوان شعر كبير متنوع الأغراض، يغلب عليه المديح النبوي والتأمل والحكمة والإرشاد، ولا يخلو من معالجة قضايا المجتمع والوطن وهموم الأمة.
أُنجِزت عن شخصية القاضي محمد وشعره وآثاره العلمية ـ حتى الآن ـ ثماني دراسات بمراحل "المتريز" و"الماستر" و"الدكتوراه" في مؤسسات جامعية موريتانية ومغربية، ووردت ترجمات له في مجموعة من رسائل التخرج والبحوث والأطروحات المنجزة في تلك المؤسسات، وفي عدد من الموسوعات والمعاجم الموريتانية والعربية.
يقول أحد دارسي شخصية القاضي محمد وآثاره، هو الباحث والأستاذ الجليل سيدي محمد بن عبد الله العتيق، رحمه الله تعالى، متحدثا عن جوانب من سيرته ومسيرته العملية والقضائية في سياق أطروحة "ماستر" أعدها في جامعة شنقيط العصرية سنة 2012: "إن انخراط الرجل - القاضي محمد - في سلك القضاء سنة 1975 مثَّل مرحلة جديدة من حياته، أتاحت ـ أولا ـ التعرف على نموذج فريد في حاله وسلوكه، يجمع بين العلم والعمل، يجمع بين الصدارة في الحياة بمواجهة ظروفها، حلوها ومرها ـ وما تفرضه مهنة القضاء من ذلك ليس بالقليل ـ والعزوف عن الدنيا وشهواتها وملاذها... فعاش بذلك عزلة روحية استولى فيها جلال الحق على قلبه ونشط فيها للعمل جسمه. كما أتاحت تلك المرحلة ـ ثانيا ـ الانتفاع بهذا النموذج: بأخلاقه وسلوكه، بعلمه وعمله؛ تدريسا وقضاء وتوجيها، إصلاحا وتربية، خلال تنقله بين مناطق الوطن التي زاول فيها مهنة القضاء، *فترك لمسات بيِّنة واضحة على العمل القضائي وفي نفوس المتقاضين وزملاء المهنة وطلبة العلم، فأثنى الجميع بخير، وشهدوا بصلابة في الحق منقطعة النظير لا يشوبها ظلم ولا عنف، وبمرونة لا يؤتى الحق من قبلها، ولا تأخذ صاحبها في الله لومة لائم".*
ويجمل الأستاذ الباحث سيدي محمد الحديث عن القاضي محمد بالقول إن "حياة الرجل كلها معالم تستحق الوقوف والدرس والإشادة والإشاعة، تستحق الاقتباس والاقتداء والاتباع والانتفاع بنهجه في تعلمه وتعليمه وتصوفه وأدبه وقضائه وذكائه وأخلاقه وإرشاده وجِدّه وزهده ومكانته وحسن خلاله وجهوده وهجوده ويقينه وعلومه وفهومه ومعارفه وصدقه ومواقفه".
رحمه الله تعالى برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته
عن صفحة
نادي القضاة الموريتانيين : من أعلام قضائنا الوطني (43)