في السادس من أغسطس 1945 قصفت طائرات أمريكية بقنبلتين نوويتين مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين وكانت الخسائر الأكبر في هيروشيما حيث قُتل حينها 72 ألف شخص وتزايد العدد الى الضعف حلال عام نتيجة الموت بالإصابات، آنذاك كانت الحرب شبه منتهية حيث استسلمت القوات الألمانية والايطالية واليابانية ووصلت قوات الحلفاء إلى العاصمة الألمانية برلين ولم يكن هناك تهديد أو خطر يهدد الوجود والأمن القومي لواشنطن أو حاجة عسكرية لاستعمال النووي.
كان هدف واشنطن اثبات زعامتها للعالم وأنها الدولة الوحيدة التي تملك السلاح النووي مما سيمكنها من ردع أية دولة تفكر باستهدافها لاحقا كما فعلت الإمبراطورية اليابانية بقصف ميناء بيرل هاربر خلال الحرب. وخلال الحرب العالمية كان هناك سباق للوصول لامتلاك السلاح النووي بين المانيا وأمريكا والاتحاد السوفيتي إلا أن واشنطن سبقت الجميع ولو كانت المانيا هي السباقة لتغيرت مجريات ونتيجة الحرب، لاحقا تمكن الاتحاد السوفيتي من امتلاك النووي عام 1949 تلتها الصين ودول غربية وفي دول الجنوب امتلكتها الهند وباكستان وإسرائيل.
الحرب الدائرة اليوم في الشرق الأوسط وبالرغم من تفوق إسرائيل عسكرياً وتكنولوجيا على كل دول المنطقة وقوة علاقتها بواشنطن التي تشارك معها في حربها العدوانية الا أن هناك خطرا وإن لم يصل لدرجة تهديد وجودها الآن إلا انه يمكن ان يكون كذاك قريبا مع التطور الكبير في القدرات الصاروخية وبالمسيرات لأطراف معادية لها في دول الجوار سواء من إيران وحزب الله والحوثي وميليشيات العراق وحتى من غزة بالرغم مما أصابها من دمار.
صحيح أن إسرائيل تستطيع الآن الدفاع عن نفسها وتلحق دماراً كبيراً في الجبهات المعادية لها ولكن سيبقى وجودها مهدداً في حالة استمرار الحرب والصراع واستمرار تطوير القدرات الصاروخية والمسيرات التي تمكن حزب الله من استهداف دقيق لمنزل نتنياهو بإحداها، بالإضافة الى استمرار إيران بتطوير مشروعها النووي.
فماذا لو توسعت جبهات الحرب ضد إسرائيل لدول أخرى؟ وماذا لو جهزت أطراف محور المقاومة صواريخها ومسيراتها بأسلحة جرثومية بيولوجية؟ وماذا لو نجحت إيران بامتلاك السلاح النووي؟ وماذا لو انهار ما يسمى (السلام الإبراهيمي) وحدثت تحولات في الدول المطبعة أدت لقطع علاقاتها مع اسرائيل؟
قد تبدو هذه أسئلة افتراضية وبعيدة الاحتمال ولكن دولة مثل إسرائيل تحكمها حكومة يمينية متطرفة تؤمن بعقيدة التوراة وأن اليهود شعب الله المختار الذي يجوز له ما لا يجوز لغيره ولا تخفي أطماعها في المنطقة كما عبر عنها قادة مثل نتنياهو وبن غفير وسموترتش وتسعى لتكون دولة إمبريالية محلية تُخضع لها كل دول المنطقة، بالإضافة الى الخوف التاريخي الذي ينتاب اليهود، كل ذلك قد يدفع إسرائيل ليس فقط لضرب المفاعل النووي الإيراني بل أيضا للجوء للسلاح النووي لضرب مدينة إيرانية لترعب كل دول المنطقة ولتوقف الحرب، حتى وان كان بين ايران والغرب مصلحة مشتركة بتدمير وإضعاف الدول العربية وتقاسم مناطق النفوذ في المنطقة، فالتحالفات مع الغرب مؤقتة ولا تتورع واشنطن عن التخلي عن حلفائها من خارج المنظومة الغربية أذا انتهى دورها الوظيفي أو تعارضت المصالح لأخفا.
قد يقول قائل إن المنتظم الدولي لن يسمح لإسرائيل باستعمال النووي. لأن ذلك يهدد باندلاع حرب نووية عالمية، ولكن بعد الجرائم التي ارتكبتها خلال حرب الابادة على غزة وغير المسبوقة في تاريخ البشرية وعجز المنتظم الدولي عن ردعها بل واحتقار نتنياهو وكل قادة الاحتلال للأمم المتحدة والشرعية الدولية علنا بل وحتى احتقارهم للشعوب التي عبرت عن تضامنها مع شعب فلسطين بما فيها الشعب الأمريكي، والدعم ألا محدود من واشنطن، كل ذلك لن يردع إسرائيل عن فعل ذلك وهي تعلم أن العالم لن يتحرك ضدها.
الحالة الوحيد التي قد تمنع إسرائيل من استعمال السلاح النووي هو تدخل أمريكي وحلف الأطلسي مباشرة في الحرب إما بتدخل مباشر بحرب مفتوحة مع إيران أو من خلال صدور قرار مُلزم من مجلس الأمن يخولها بذلك، وحتى في هذه الحالة لن تطمئن إسرائيل على وجودها مستقبلا.
استهداف مسيرة حزب الله لمنزل نتنياهو وإعلان إسرائيل بمسؤولية ايران عن العملية سيكون عاملا إضافيا للقيام بضرب ايران بغض النظر عن النتائج الإقليمية والدولية التي ستترتب على استعمال النووي وهنا نذكر بأن الشرارة التي أشعلت الحرب العالمية الأولى 1914 كانت بسبب اغتيال طالب صربي لولي عهد النمسا، ولكن الوضع في محمل أوروبا كان محتقننا وعملية الاغتيال كانت مجرد الشرارة التي أشعلت برميل البارود، وقد تكون محاولة اغتيال نتنياهو أو أي عملية شبيهة الشرارة التي تشعل برميل بارود منطقة مليئة الصراعات المتراكمة منذ أكثر من مائة عام.
فهل ستفعلها إسرائيل؟ وهل تأجيل ضربتها لإيران بعد استهداف هذه الأخيرة لها ردا على اغتيال هنية وتصر الله له علاقة بالاستعداد لهذه الخطوة؟ وهل ستكون الضربة النووية وسط انشغال أمريكا بالانتخابات أو عند وصول ترامب للحكم الذي سيكون أكثر دعما وتأييدا لمثل هكذا تصرف أرعن؟
كاتب فلسطيني