المدرسة الجمهورية و الزي الموحد بين الواقع و المأمول

يمكن تعريف مفهوم المدرسة الجمهورية إصطلاحا علي أنه المدرسة العمومية أصلا و الخصوصية لاحقا التي ينتسب إليها و يتعايش و يتدارس في فصولها جميع أبناء الوطن علي إختلاف أعراقهم و ألوانهم و ألسنتهم و مناطقهم.
لذا جاءت فكرة مشروع المدرسة الجمهورية ضمن تعهدات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
خلال مأموريته الأولي كمنهج تربوي يهدف إلي تحسين جودة التعليم و تعزيز قيم المواطنة بين الطلاب و محو الفوارق الإجتماعية بينهم.
بغية خلق جيل متعلم متحرر من كل العقليات السلبية المجتمعية و مؤهل للإنخراط في النسيج الإداري و السياسي للدولة من أجل المساهمة الفعالة في عملية البناء و النهوض بالوطن و مؤسساته.
و قد دافع فخامة رئيس الجمهورية عن مشروع المدرسة الجمهورية إنطلاقا من أنها الوسيلة الوحيدة الأكثر فعالية لتغيير المجتمعات و تطوير عقليتها و النهوض بها نحو غد أفضل.
مؤكدا في أوقات سابقة أن الغاية من إصلاح مدرستنا العمومية هي جعلها أكثر قدرة علي أن ترسخ لدي أبنائنا تعاليم ديننا الحنيف و قيم ثقافتنا العربية و الإفريقية و قيم المواطنة و المساواة و التلاحم الإجتماعي.
و كذلك أن تتيح لهم جميعا خدمة تعليمية ذات جودة عالية منسجمة المخرجات مع متطلبات النهوض الشامل الذي تتوفر بلادنا اليوم علي مؤهلات معتبرة لتحقيقه.
حيث تجسد ذلك علي أرض الواقع بكل جدارة و وطنية و بشكل لا مراء فيه من خلال رابع موسم لقيام المدرسة الجمهورية .
رغم تباين المعوقات و حجم التحديات و إكراهات المرحلة.
ضمن خطة عمل شملت تدابير مكنت من دمج وحصر سنة رابعة إبتدائية هذا العام علي مستوي التعليم العمومي .
في إنتظار أن تطال عملية التحول التدريجي قادم الأيام مراحل الإعدادية و هكذا دواليك .
في حين شكلت فكرة توحيد اللباس في المدارس العمومية البعد الإيجابي الآخر للمدرسة الجمهورية و أسست لتلاشي و تراجع مظاهر الفوارق الإجتماعية عبر الإلتزام بقواعد الإنضباط إذ أن الزي الموحد يمنح صورة جميلة من التجانس والإنسجام
داخل مؤسسات التعليم ستقضي علي الفوارق و الطبقية في المظاهر بين التلاميذ في المدرسة الواحدة.
حيث أن المدرسة هي نقطة الإنطلاق التي تبدأ منها عملية تربية و تعليم الأجيال الناشئة بالإضافة الي دورها الإيجابي في تكوين الوعي الإجتماعي لدي التلاميذ و توعيتهم بأساليب و أدوات و معطيات العلم و المعرفة مع التأكيد علي أهمية التمسك بالقيم و المثل العليا للموروث الثقافي و الإجتماعي و تعميق الحس الوطني بالواجب و احترام النظم و التعليمات بما يسهم في بلورة شخصية الطالب و جعله قادرا علي ممارسة مفهوم المواطنة بما يفرضه من واجبات و مسؤوليات.
إن تعزيز الهوية الوطنية في نفوس التلاميذ أو الطلبة ضرورة وطنية في كل الأحوال .
خاصة في ظل الظروف و المتغيرات العالمية والإقليمية لما لهذه الهوية من أهمية في تقوية الروابط الوجدانية و التاريخية و الثقافية نحو الوطن وتدفع الي العمل الجاد من اجل تحقيق رفعته و تقدمه و حمايته .
وضرورة تعليم الأطفال قيم المواطنة بشكل مستمر من خلال النشيد الوطني و تحية العلم
سبيلا للوصول الي الأهداف المنشودة :
‐ تعزيز قيم المساواة والعدالة في نفوس التلاميذ من خلال توحيد الزي
‐ تنمية الحس بالمسؤولية الوطنية والإلتزام بالواجب اتجاه المدرسة والمجتمع.
– تعزيز قيم الفضيلة والسلوكيات الإيجابية لدي الجميع بتوفير زي موحد ممتاز يعكس عبر ألوانه وتصاميمه بعدا وطنيا يراعي خصوصيات المجتمع.
بينما يري بعض المهتمين بشأن التعليم أن مشروع الزي المدرسي الموحد يتطلب تقاطع حرية الإختيار و مشاورة آباء التلاميذ ورأي الأسرة التربوية في بلورة تطبيق توحيد اللباس بالشكل و اللون المناسب للمحيط ويراعي تأثيرات و تغيرات المناخ علي أن تكون هناك بدلات صيفية و أخري شتوية من خلال تصاميم تعكس وتخلق مظهرا خارجيا مقبولا عند العموم ولائقا يتناسب مع بئة و محيط المدرسة فضلا عن الإرتياح و حرية الحركة و التنقل لدي التلميذ.
كما أن نجاح إصلاح التعليم رهين بمدي قدرة المدرسة العمومية او الجمهورية في خلق أجيال متعلمة والرفع من المستوي المعرفي لدي الطلاب و إنتاج أطر تربوية تعطي بعدا وطنيا في تكوين الأجيال المقبلة من النخب التي ستدير شؤون البلاد والعباد.
إلا أنه في الوقت الذي تم فيه حظر مستويات من التعليم الأساسي علي مدارس خصوصية وطنية و فرض الحكومة إرساء نظام المدرسة الجمهورية
تم السماح عبر قرار وزاري لأعداد كبيرة من المدارس الأجنبية مزاولة تدريس المناهج الفرنسية بكل المستويات داخل الوطن .
في خطوة غير مسبوقة لتوطين الثقافة الفرنسية من خلال تربية أبنائنا علي تعليم فرنسي مبني علي عقيدة علمانية كنمط و سلوك و تاريخ و جعلها جزءا من شخصيته .
دون مراعاة خصوصية الثوابت الدينية و الوطنية و الأخلاقية للبلد .
رغم منع و حظر تدريس نفس المناهج التعليمية الفرنسية داخل المحيط المغاربي .
و تراجع اللغة الفرنسية أيضا في مناطق نطقها و نفوذها تأريخيا داخل منطقة الساحل و غرب إفريقيا .
حيث شكلت هذه المدارس بلاشك و جهة و قبلة لأبناء النخب الوطنية النافذة و رجال المال و الأعمال دون غيرهم .
بحكم إرتفاع رسوم الدراسة فيها و أمور أخري .
و هو ما يؤكد جليا أن الثقة باتت شبه مفقودة إن لم تكن معدومة لدي المسؤول الحكومي و طبقات واسعة من المجتمع إتجاه نظام التعليم العمومي .
بدليل تسجيل أبنائهم بالمدارس الخصوصية الأجنبية .
مما سيكرس من جديد للطبقية في التعليم و سيخلق جيلين متباينين داخل وطن واحد .
وسيزيد الفجوة بين مختلف مكونات الشعب الواحد .
و بالتالي سيقلل من جدية و مصداقية عملية إصلاح قطاع التعليم التي تبنتها الحكومة .
في محاولة للإلتفاف علي مقاصد و أهداف المدرسة الجمهورية و وأد المشروع الوليد الطموح .
هذا و قد أثار القرار المفاجئ لوزير التعليم وكالة جدلا كبيرا عبر وسائل التواصل الإجتماعي و إستياء و غضب نقابات قطاع التعليم الوطني الخصوصي .
التي دعت بدورها إلي وقفة شاملة لعمال قطاع التعليم الخاص يوم الإفتتاح إحتجاجا علي هذا الإجراء غير عادل .
كما لاقي أيضا هذا القرار إعتراضات شعبية واسعة شملت لأول مرة فئات من الأقليات الزنجية الوطنية ليس كرها للمدارس الفرنسية و لا حبا أو رغبة في التعريب ( حق أريد به باطل )
بقدر ما هو تبيان و كشف للتناقض الحاصل علي مستوي سياسة إصلاح التعليم قصد إرساء مدرسة جمهورية حاضنة للجميع .
و التسويق من جهة أخري و التهويل لمزاعم كاذبة أعتادها دعاة التفرقة و الإنفصال من قبيل تمكين الموريتانيين من أصول عربية التعلم باللغة الفرنسية دون سواهم في المدارس الخاصة الأجنبية .
في حين يضطر أبناء الأقليات الزنجية إلي تعلم اللغة العربية كخطوة في إتجاه تعريب مجموعاتهم العرقية حسب تأويلاتهم .
إعتقاد خاطئ حمل الكثير من المغالطات في ظل التحامل الكيدي المفتعل .
و مواقف تتجدد بإستمرار تعبر عن شعور عميق بمعاداة العرب من أبناء الوطن .
الشئ الذي لا يخدم إطلاقا التعايش الأهلي السلمي .
حيث اعتاد قادة هذه الحركات منذ قيام الدولة المركزية إثارة مسألة تدريس اللغة
العربية لأغراض الهوية ليس إلا .
في حين ينبغي أن نظل جميعا مع تدريس كل اللغات بما فيها اللغة الفرنسية لكن ضمن منهاج وطني يجسد فكرة المدرسة الجمهورية و يحرص علي إسترجاع السيادة الوطنية .
لا يختلف إثنان علي أن اللغة الفرنسية رغم تراجعها إقليميا باتت تهيمن علي كل نواحي الحياة علي حساب اللغة العربية داخل الوطن بما فيها التعليم و الإدارة و الإقتصاد ...الخ نتيجة الإهمال و التقصير و التراخي في تطبيق الدستور مما شكل عائقا دون إعتمادها بشكل رسمي في المراسلات الإدارية و التعاملات داخل الدوائر الحكومية و مفاصل و مؤسسات الدولة .
إذ شكلت عبر العصور عامل وحدة وإستقرار داخل المجتمع في ظل دين واحد و وطن واحد .
تم ترسيمها دستوريا مع إحترام التنوع اللغوي كلغة رسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية .
رغم تحفظ و إستنكاف بعض الجماعات الرنجية أنذاك .
ذات نزعة أفرانكفونية رافضة للعربية بدوافع و اغراض شخصية إنفصالية .
تأسيسا لما سبق لا يمكننا إطلاقا أن نبني غدا أفضل .
و نحن بصدد تجاهل مشروع المدرسة الجمهورية الجامع .
كما لا يعقل أن تكون حظوظك في التعليم جيدة لمجرد أنك ولدت في محيط عائلي غني .
بينما تكون الحظوظ أقل حين يقذف بك قدر الولادة صدفة في وسط فقير .

حفظ الله موريتانيا
اباي ولد اداعة .