يكتسي التعليم أهمية بالغة في بناء الشعوب وتقدمها وخلق مكانة مرموقة لها بين الأمم، فهو صمام الأمان وبر النجاة وسلاح المرحلة، وهو اللبنة الأولى لتوطيد الاستقرار وبناء المستقبل الذي يمكن المراهنة عليه، والهدف الأسمى والغاية المنشودة لتهذيب النفوس وحماية المجتمعات من مستنقعات براثن التخلف وويلات المخدرات الفتاكة والحروب الأهلية المدمرة.
و قد وعت قيادتنا الرشيدة الدور المحوري الذي يلعبه التعليم والبصمة الراسخة التي يتركها في مسار بناء الأجيال، حيث يأتي افتتاح السنة الدراسية هذا العام (2024-2025) في سياق مختلف ومقاربة جديدة، رسم ملامحها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في خطابه بمناسبة إعادة انتخابه لمأمورية ثانية، حين قطع على نفسه وعدا بدعم المنظومة التعليمية، وذلك بتوسيع العرض، ورفع نسب النفاذ، وتحسين القدرة الاستيعابية وكذا تنويع وتوسيع عرض التكوين المهني والجامعي، إضافة إلى التجربة الرائدة للمدرسة الجمهورية التي أرسى فخامته دعائمها فكانت البرهان الساطع و الدليل الصادق على تمسكه بحلم بناء جيل يحمل مشعل العلم والعمل وينبذ الكسل والتفرقة والتخلف فكان له ما أراد.
وقد أدركت الحكومة هذا النهج والتوجه فسعت مسرعة إلى وضع خطط تطبيقيه على أرض الواقع، حيث أعلن الوزير الأول السيد المختار ولد أجاي في خطابه أمام البرلمان أن الهدف الأسمى لحكومته سيكون العمل على توفير تعليم مُتميز، عالي الجودة، بِكوادر تعليمية مُؤهلة لِبناء مُواطن متجذر في هويته الحضارية ومُعتزّ بِقيمه الوطنية ومنفتح على العالم.
كما توعد بتطوير البنية التحتية التعليمية وإصلاح البرامج والمناهج التعليمية، وأما عن الكوادر البشرية من مدرسين ومؤطرين؛ فقد قال بأن الحكومة حريصة على تطويرهم وتكوينهم وخلق ظروف مواتية لهم تمكنهم من تأدية رسالتهم المقدسة على أكمل وجه، لأنهم يمثلون نواة أي إصلاح تسعى الحكومة إلى إدخاله في المنظومة التعليمية ككل.
أما من الناحية التطبيقية فقد سعت الوزارات المعنية بالتكوين المهني والتعليم العالي والتربية والتعليم إلى مواكبة وتجسيد هذه الرؤى والتعهدات على أرض الواقع، وذلك بوضع برامج وخطط تلامس سقف التحديات وتلبي سقف طموحات المواطنين الراغبين في تعليم نموذجي يواكب متطلبات المرحلة و يرفع رهان التحدي.
التكوين المهني والفني
ففي مجال التكوين المهني والفني تميزت الوضعية خلال السنوات الخمس الأخيرة بزيادة كبيرة في الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التكوين المهني التي وصل عددها إلى 21 مؤسسة منها 20 مؤسسة عمومية وواحدة ذات نفع عام، إضافة إلى 11 معهدا للتكوين المهني الحر في البلاد.
وقد شهدت الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التكوين المهني زيادة معتبرة، حيث انتقلت من 3825 متدربا سنة 2019-2020 إلى 13781 متدربا خلال السنة الماضية، ويرجع الفضل في ذلك إلى إنشاء 4 مؤسسات خلال السنوات الخمس الأخيرة، هي مؤسسة التكوين المهني في الرياض، ومؤسسة التقنيات الجديدة في نواذيبو، ومؤسسة البترول والغاز والمعادن في نواكشوط، ومدرسة التكوين المهني في أكجوجت.
وتسعى وزارة التكوين المهني والفني إلى إعداد سنة دراسية تتميز بأداء حسن، وتؤسس لبلوغ الهدف الكبير الذي رُسم للتكوين المهني خلال السنوات الخمس المقبلة؛ ألا وهو فتح فرص التكوين أمام 115 ألف شاب موريتاني.
التعليم العالي
نال قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، هذه السنة، نصيبه من الإصلاحات الجوهرية المواكبة للإصلاحات العامة التي أطلقتها الحكومة في جميع القطاعات، وخصوصا التعليمية منها، حيث قامت الوزارة بزيادة الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي بناء على ارتفاع نسب النجاح في الباكلوريا، حيث لامس عدد الطلاب الموجهين إلى المؤسسات والمعاهد والمدارس الجامعية سقف 18 ألف طالب موزعين على 61 تخصصا.
و في إطار تكوين واكتتاب الطاقم البشري الذي هو العمود الفقري للعملية التربوية برمتها قامت الوزارة هذه السنة بتوجيه 346 طالبا في مرحلة الليصانص إلى المدرسة العليا للأساتذة لتواكب أساتذة الإعدادية سنة 2027 عند وصول المدرسة الجمهورية للمرحلة الإعدادية، وهي سابقة من نوعها.
كما قامت الوزارة بافتتاح ماستر للراغبين في التعليم الثانوي، وبعدها سنتين للتبريز لأساتذة المدارس التحضيرية، وتنوي افتتاح مدرسة دكتورا لتمكين المتميزين من أن يصبحوا دكاترة في التعليم، الأمر الذي يعزز أداء الأساتذة من حيث الكيف، ويضمن تلقي الطالب للدروس بشكل أكثر مهنية وقدرة على التوصيل بما يتماشى والمراحل العمرية لكل مستوى دراسي.
التعليم الأساسي والثانوي
أما على مستوى وزارة التربية والتعليم فقد واكبت العملية الإصلاحية بإضافات جذرية شملت إدراج تدريس اللغات الوطنية في المناهج التعليمية، وهي خطوة ذات أبعاد استراتيجية واجتماعية تقوي اللحمة الوطنية و تجذر السيادة وتغرس روح الوطنية بين النُشأ وتخلق نوعا من التواصل بين مكونات المجتمع الواحد.
وحرصا منها على تكريس الوحدة الوطنية ولم الشمل والتعايش السلمي؛ تواصل وزارة التربية والتعليم خطة تنفيذ المدرسة الجمهورية القاضية بحصر التعليم الأساسي في المدارس العمومية وخصوصا السنوات الأول، من أجل تساوي الفرص في تلقي تعليم موحد يساوي بين جميع أفراد المجتمع دون غبن أو تمييز.
وكسابقة من نوعها قامت الوزارة بإدخال مادتي التكنلوجيا والمعلوماتية ضمن المواد التي تدرس في المرحلة الإعدادية، سعيا منها لتعليم يتماشى والمعايير الدولية للالتحاق بركب الدول المتقدمة في مجال التعليم.
كما أعلنت وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي عن استحداث الوزارة لجوائز تشجيعية للمدرسين المتميزين ابتداء من العام الدراسي الحالي، وقد رصدت الوزارة 250 مليون أوقية لهذه الجوائز، من أجل إعطاء المدرسين المكانة اللائقة بهم.
و من أجل تمكين الطلاب من الحصول على المقررات والكتب المدرسية عبر آلية مبسطة ومتاحة للجميع، أعلن المعهد التربوي الوطني أنه سيوفر نسخة إلكترونية من المحتوى، سيكون من الممكن تنزيلها عبر الهواتف المحمولة، وذلك مواكبة منه للطفرة النوعية التي يشهدها القطاع خصوصا في مجال إدخال تكنولوجيا المعلوماتية في المسطرة التعليمية للبلد.
ونظرا للإجراءات المتخذة هذه السنة من أجل إنجاح العام الدراسي، بدءا بالتجهيزات اللوجستية و جعل المدرسين في ظروف تمكنهم من أداء واجبهم على أكمل وجه، ونظرا للأهمية التي توليها الحكومة للتعليم؛ والمتمثلة في الدعم المادي والمعنوي والتشجيع من خلال استحداث الجوائز؛ فإننا يمكن أن نطلق على هذه السنة سنة تعليم بامتياز.
سيدي امحمد ولد باب