قمة باريس الفرنكفونية محاولة إستعادة لغة مولير مكانتها اللائقة داخل مناطق نفوذها سابقا

تأتي قمة باريس الفرنكفونية في سياق وضع دولي مضطرب ،
تشهد فيه السياسة الدولية حالة من الإنهيارات و التقلبات و التحولات الهيكلية ناهيك عن النظرة الإقتصادية القاتمة نتيجة الصراعات والحروب في كل الإتجاهات .
هذا و من المتوقع أن تشهد القمة حضورا نوعيا كبيرا قد يشمل 55 رئيس دولة و حكومة إضافة إلي رؤساء منظمات دولية
يتقدمهم فخامة رئيس الجمهورية رئيس الإتحاد الإفريقي السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
و ستشهد من جهة أخري انتقال الرئاسة إلي فرنسا بعد عامين من تولي تونس لها .
بينما سيكون الغائب الأبرز الثلاثي الممانع النيجر ، مالي ، بوركينافاسو . التي تم تجميد عضويتها داخل المنظمة نظرا لتدهور العلاقات في الأعوام الأخيرة مع باريس الراعي الرسمي للمنظمة.
كما يتوقع أن يثار علي هامش القمة مع شئ من التحفظ الوضع الخطير في لبنان بحكم المصالح مع فرنسا .
كما تأتي القمة أيضا إستجابة و تجسيدا لتوصيات و مخرجات قمة تونس الفرنكفونية الأخيرة المنعقدة بمدينة جربة تحت شعار التواصل في إطار التنوع و التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية و التضامن داخل الفضاء الفرنكفوني .
حيث أثار حينها الرئيس الفرنسي ماكرون و علي مستوي القمة مسألة التراجع الملاحظ للغة الفرنسية لصالح اللغة الأم العربية في بلدان المغرب العربي خلال العقود الأخيرة .
مما جعلها في المرتبة الخامسة من بين اللغات الأكثر إنتشارا و إستخداما علي شبكة الأنترنت عالميا.
مؤكدا و موضحا أن التحدي الحقيقي للفرنكفونية يكمن أساسا في إعادة لغة مولير إلي طابعها العالمي .
مطالبا بإعداد مشروع لإستعادة مكانة اللغة الفرنسية في مناطقها المعهودة سابقا و تعزيز حضورها علي مستوي شبكة الأنترنت وفي المنظمات والمحافل الدولية من خلال الإرتهان للتعليم و الثقافة والرياضة كعامل وحدة و رفع شأن للإرتقاء بالفرنكفونية و قد ابدي تفهمه حينها دون أن يعرج علي طبيعة الأسباب او الدوافع الموضوعية.
لعل ذلك ما دفع بالرئيس الفرنسي ماكرون لتبني إستضافة القمة الفرنكفونية التاسع عشر من داخل فرنسا بشعار الإبداع و الإبتكار و ريادة الأعمال باللغة الفرنسية .
ففي إطار التحضير و الإستعداد الجيدين لنجاح هذا الحدث تم إنشاء مدينة دولية للغة الفرنسية في فيلاركوتريه ستشهد حفل الإفتاح و الإنطلاق الفعلي للقمة
و هو مكان تمت تهيئته خصيصا للغة الفرنسية و الثقافات الفرنكفونية .
دشنه الرئيس ماكرون العام الماضي بهدف إعطاء الحدث الفرنكفوني بعده الثقافي و الرياضي و الرقمي و الدبلوماسي و السياسي و الإقتصادي .
متخذا اللغة الفرنسية وسيلة للترويج لفرنكفونية في خدمة الشعوب .
مع إستضافة مهرجان ألعاب أولمبية و أولمبية أيضا لذوي الإعاقات .
في إطار الدعوة إلي إكتشاف الإبداع الفرنكفوني في أوجهه الفنية و الثقافية و الريادية .
بغية تجسيد أفرانكفونية حيوية و عملية منفتحة علي العالم .
تمثل وسيلة للتعاون و إستنباط الحلول في مواجهة القضايا العالمية .
لذا تم الإتفاق علي مستوي الحدث ضرورة حث الجميع علي الإبداع و الإبتكار و ريادة الأعمال باللغة الفرنسية فقط للرفع من شأنها .
إلا أنه في خطوة غير مسبوقة قررت فرنسا عقد القمة الفرنكفونية المقبلة لعام 2026 م في العاصمة الكينية نيروبي .
و هي المرة الأولي التي سيتم فيها عقد قمة من هذا القبيل بدولة ناطقة باللغة الإنجليزية في محاولة لإيجاد موطئ قدم خارج الفضاء الفرنكفوني بحثا عن شركاء آخرين جدد من داخل القارة السمراء .
في حين يري معظم المراقبين و المحللين للشأن الفرنكفوني أن الرئيس الفرنسي ماكرون قد نسي او تناسي عن قصد او غير قصد تراجع الدور المحوري الفرنسي هو الآخر من مناطق نفوذه الواسعة و التاريخية في افريقيا.
حيث أن هذا التراجع في اللغة لم يعد يشكل مخاوف تذكر بل أضحي واقعا قائما تعود تداعياته في المنطقة المغاربية الي سعي حكومات هذه الدول الي تعريب مناهج تعليمها و التعدد اللغوي و كسر ازدواجية اللغة التي كان معمولا بها في السابق .
بالإضافة الي أن لغة الأبحاث العلمية والإقتصادية علي مستوي الجامعات باتت انجليزية صرفة أمام إكراهات العولمة و المرحلة.
بينما ساهم الوعي المتزايد لدي شعوب المنطقة في التحرر من قيود الماضي و التبعية العمياء
في ظل رفض فرنسا المتكرر للإعتذار عن حقبة ماضيها الإستعماري المشين و التعويض عن الأضرار و الخسائر و تصحيح الأوضاع الحقوقية و الإنسانية .
إضافة إلي إتساع عداء فرنسا غير مبرر و تجريمها للإسلام خلال السنوات الأخيرة و التضييق علي المسلمين و حظر إرتداء الحجاب علي الطالبات المسلمات في المدارس و الجامعات و نزعه بالقوة إن أقتضت الضرورة
الشئ الذي يتنافي و يتعارض مع مضامن و مقاصد شعار الجمهورية الفرنسية حرية ، مساواة ، إخاء
فالحضور الفرنسي في المجال الإفريقي الفرنكفوني ظل عسكريا أكثر منه إقتصاديا و ثقافيا ضمن مسار تحولي فرضه الوضع الدولي أنذاك تحت ظروف مسميات الحرب علي الإرهاب او بأسماء متغيرة و مستعارة..
قبل أن تتغير المعادلة و تجد فرنسا نفسها كشخص غير مرغوب فيه persona non grata داخل مناطق نفوذها التاريخية بغرب إفريقيا في ظل تنامي ظاهرة الإنقلابات العسكرية و اتساع و تصاعد الأصوات الشعبية الواسعة الرافضة للوجود الفرنسي و طرد الحكومات الإنقلابية المغاضبة لقوات المستعمر من داخل أراضيها.
كما أن تراجع اللغة هو انعكاس لتراجع مكانة و دور فرنسا و تأثيرها علي الدول المغاربية.
و استمرار تباين العلاقات بين فرنسا من جهة و دول شمال افريقيا و الساحل من جهة أخري .
في حين شكلت الإزدواجية الفرنسية في التعامل مع حكومات وشعوب المنطقة المغاربية مظهرا من مظاهر هذا التراجع من خلال وضع العراقيل و الصعوبات امام مواطنيها عبر إجراءات وقرارات خدمت الإستهلاك السياسي الداخلي الفرنسي اكثر من العلاقة الثنائية و التاريخية بين حكومات و شعوب المنطقة و فرنسا .
لقد اصبح النفوذ الفرنسي داخل مستعمراته الإفريقية يواجه تحديا كبيرا نتيجة أزمة ثقة تراكمية جعلت شعوب المنطقة تكره الوجود الفرنسي علي اراضيها و ترغب في القطيعة وترفض كل اشكال التبعية و قبول الوصية علي غرار ما حصل في مالي و بوركبنافاسو و النيجر وصولا الي دولة الغابون البلد الغني ذات الإرتباط القوي بفرنسا و تداعيات ما جري علي أمن و إستقرار منطقة الساحل الإفريقي.
تأسيسا لما سبق يلاحظ جليا أن اغلب الدول الناطقة بالفرنسية و المستعمرة سابقا تصنف اليوم من أكثر دول القارة الإفريقية فقرا و أقلها إستقرارا حيث مازال أكثرها يخضع لأنظمة سلطوية أو تتعاقب فيه الإنقلابات العسكرية مقارنة بالدول الناطقة بالإنجليزية الأكثر إستقرارا والأنجع إقتصادا.
واقع ألقي بظلاله علي العلاقات جيوسياسية و المزيد من التوتر في المواقف الدولية من دول المنطقة اتجاه فرنسا.
لتبنيها سياسات واستراتجيات خاطئة اتجاه حكومات وشعوب المنطقة في الإتجاهين المغاربي و الإفريقي مما أفقدها دورها الريادي و التاريخي في المنطقة وقلص من نفوذها لصالح قوي إقتصادية و عسكرية صاعدة
كروسيا والصين وتركيا ...والتي بدأت لغاتها هي الأخري تتوسع وتشغل اهتمام الرأي العام في القارة الإفريقية.
إضافة إلي تغلغل و انتشار قوات فغنير الروسية ميدانيا
داخل الأراض المالية و إنشاء قوة ساحل مشتركة بين كل من الثلاثي المغاضب مالي و بوركينافاسو و النيجر ذات توجه روسي.
علي نقيض قوة دول الساحل الخمس التي كانت قائمة في السابق بدعم و توجه فرنسي.
فهل بدأ النفوذ الفرنسي داخل افريقيا في الأفول و السقوط الحر ؟
ام أن ميزان القوي داخل افريقيا في طريقها الي التغير ؟

حفظ الله افريقيا من كل سوء .
اباي ولد اداعة.